*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا
1- المماليك لفظ أطلقه المؤرخون على حقبة من تاريخ مصر والعالم الإسلامي، أيام حكم العسكر، حين فرغوا من مواجهة الغزو الصليبي واستأثروا بالسلطة، ثم دارت بينهم صراعات أضرت بالعباد والبلاد، ما كان لها أن تتوقف لولا أن تصدى لهم محمد علي باشا، وقضى عليهم في مذبحة القلعة الشهيرة.
2- كانت مصر والسودان بلداً واحداً تحت الحماية البريطانية والنظام الملكي، حتى أطاح العسكريون بالملك فاروق ملك مصر والسودان، وأقيم في السودان نظام مدني، ما لبث أن أطاح به انقلاب عسكري بقيادة إبراهيم عبود، ثم توالت الانقلابات، وتوالى على الرئاسة جعفر النميري ثم عبدالرحمن سوار الذهب ثم عمر البشير وأخيراً عبد الفتاح البرهان. وكان كل انقلاب عسكري يؤمل الشعب بحكم ديمقراطي، بوعود كوعود عرقوب، جاءه أخوه يطلب معونته، وكانت له شجرة نخيل فقال لأخيه: انتظر موعد ثمرها لأعطيه لك، فلما أثمرت جاءه أخوه فقال له عرقوب: انتظر حتى يصير رطباً، ثم جاءه فقال له: انتظر حتى يصير تمراً، فلما صار تمراً جمعه عرقوب وباعه، فلما جاءه أخوه لم يجد شيئا.
3- اليوم في السودان تدور المعارك بين البرهان قائد الجيش وحميدتي قائد قوات التدخل السريع في حرب أهلية خاسرة بكل المقاييس، هي خسارة أمنية بدمار السلاح الذي أعده الشعب لحمايته من العدوان، ودفع ثمنه من كده وعرقه وثمن خبزه ودوائه، وخسارة حيوية بدمار المستشفيات والأجهزة الطبية ونفاد المواد الدوائية، وما تبع ذلك من آلاف الموتى والجرحى والمعاقين، وخسارة اقتصادية بتوقف حركة الزراعة والصناعة والتجارة والتصدير والاستيراد، وقلة المواد التموينية وارتفاع معدل التضخم. وأكبر الخسارات ما حل بالمواطنين من خوف وتشرد وتشرذم بسبب الخلافات القبلية والعرقية.
4- في سورية يوم نالت استقلالها عام 1946م أقيمت حكومة مدنية برئاسة شكري القوتلي، أطاح بها بعد ثلاث سنوات انقلاب عسكري قام به قائد الجيش حسني الزعيم، تبعه انقلاب سامي الحناوي ثم انقلاب أديب الشيشكلي، ثلاث انقلابات في سنة واحدة. ومازالت الانقلابات تتوالى حتى أعلن رئيس الوزراء المخضرم خالد العظم، الذي أمضى حياته يوماً في قصر الرئاسة ويوماً في سجن المزة العسكري، أنه أصبح من الضروري حل الجيش وطلب البوليس الدولي من الأمم المتحدة لحماية البلد، فأطاح به انقلاب جعله يفر إلى لبنان ليعلن أنه لن يعود إلى سوريا، وأنه يوصي بأن يقبر في لبنان.
5- ليت العسكريين يحترمون إرادة الشعب، فيقلدون الجنرال ديغول الذي قاد معركة تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، فمنحه الشعب ولايتين رئاسيتين، فأراد أن يستفتي الشعب في تعديل الدستور، لكن الشعب رفض فاستقال وأسلم السلطة للمدنيين. ليتهم يحرصون على سلامة البلاد من الاقتتال، كما فعل الزعيم أديب الشيشكلي يوم تمردت عليه قوة عسكرية في مدينة حلب، فأشار عليه قادته في دمشق بأن يتولوا قمع التمرد، فرفض الاقتتال واستقال وغادر البلاد. ليتهم يقلدون الفريق عبدالرحمن سوار الذهب الذي انقلب على جعفر النميري، ثم استقال وأسلم السلطة للشعب، وتفرغ للدعوة الإسلامية حتى وافته المنية ودفن في مقبرة البقيع في السعودية. وليت المدنيين الذين يكيد بعضهم لبعض ويتصارعون على السلطة من أجل المكاسب. ليتهم يقدمون مصلحة الشعوب. فقد وصف أحمد شوقي أمير الشعراء مكايدهم بأبيات قال فيها: إلام الخلف بينكم إلى ما….. وهذي الضجة الكبرى على ما….. وفيم يكيد بعضكم لبعض….. وتبدون العداوة والخصاما….. ولينا الأمر حزباً بعد حزب….. فلم نك مصلحين ولا كراما….. وأين الفوز لا مصر استقرت….. على حال ولا السودان داما.
6- في الحديث الشريف قال رسول الله محمد (ص): إذا اقتتل المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار. قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه. وفي القرآن الكريم قال الله تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). وسلام قريب للسودان الشقيق.