يحتاج القطاع الزراعي الكندي إلى 30 ألف عامل مهاجر لملء الفراغ الذي يتركه المزارعون المتقاعدون، وإلّا سيكون مستقبل القطاع غير مؤكد، كما جاء في تقرير حديث نشره ’’رويال بنك أوف كندا‘‘ (RBC)، أحد المصارف الكندية الخمس الكبرى.
ويقول التقرير إنّ 40% من المزارعين الكنديين سيتقاعدون بحلول عام 2033. ولتعويض هذا النقص، يحتاج القطاع الزراعي في كندا إلى ’’مهاجرين دائمين قادرين على إنشاء مزارعهم وصوباتهم الزراعية أو الاستحواذ على المزارع القائمة‘‘.
وهذا الكلام يوافق عليه ريحان خان، وهو مزارع باكستاني هاجر إلى كندا عام 2018 ويستثمر منذ عام 2021 مزرعة مساحتها 160 آكر (حوالي 65 هكتاراً) بالقرب من مدينة يوركتون في جنوب شرق مقاطعة ساسكاتشوان في غرب كندا.
يقول ريحان خان :”يستوجب الأمر دعماً محلياً. بهذه الطريقة سيتمكن المهاجرون من النجاح في الزراعة”.
ودخول القطاع الزراعي الكندي كان خطوة طبيعية لخان الذي يتمتع بخبرة 20 سنة في هذا المجال في وطنه الأم.
ومع ذلك، يحرص خان على تنبيه المهاجرين إلى الصعوبات التي واجهها، ومن بينها أهمية معرفة السوق المحلية. ’’يجب أن يؤخذ هذا الأمر في الاعتبار ليس فقط من قبل المهاجرين، ولكن أيضاً من قبل الوكالات الحكومية‘‘، يقول خان.
ويودّ خان أيضاً أن يتمكن القادمون الجدد من الاستفادة من معلومات تتعلق باستئجار الآليات ومن نصائح لبيع منتجاتهم.
ووفقاً لتقرير ’’رويال بنك‘‘ هناك عقبات أُخرى، ذات طابع مالي بشكل خاص، تقف أيضاً في طريق المزارعين ذوي الخبرة الذين يرغبون في الانطلاق في كندا. فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر الأراضي الزراعية بأكثر من 20% خلال السنوات الخمس الماضية.
وفي مناطق عديدة من كندا قد لا يكون مبلغ مليون دولار كافياً لاقتناء مزرعة، وفقاً للخبير في العقارات الزراعية، راجين جيل، الذي يعمل في مقاطعة بريتيش كولومبيا المطلة على المحيط الهادي.
لكن في ساسكاتشوان الأراضي الزراعية هي الأدنى سعراً في كندا. ويقول خان إنه كان محظوظاً لشرائه أرضاً زراعية فيها قبل ارتفاع الأسعار. وهو استثمر في أرضه 223 ألف دولار منذ أن اشتراها عام 2021.
كما يقترح تقرير ’’رويال بنك‘‘ أن يقوم المزارعون الحاليون بدورهم لتجنب أزمة العمالة، وذلك من خلال أتمتة العمليات بحيث تتطلب الأعمال في المزرعة عدداً أقل من الأشخاص.
برنامج تجريبي لتشجيع الهجرة الزراعية
في عام 2020 أطلقت كندا برنامجاً تجريبياً للأغذية الزراعية بهدف تشجيع الهجرة إلى قطاع الزراعة. ومن المقرر أن تنتهي مدة صلاحية هذا البرنامج، المصمَّم لتوفير مسار إلى الإقامة الدائمة للعمال الموسميين من ذوي الخبرة، في أيار (مايو) المقبل.
ووفقاً للبروفيسور إيفان فرايزر، مدير معهد أريل للأغذية (Arrell Food Institute) في جامعة غويلف في مقاطعة أونتاريو والمؤلف المشارك للتقرير، كل ما يفعله هذا البرنامج الفدرالي هو أنه ’’يخدش فقط سطح (مشكلة) نقص العمالة‘‘.
وتقول الحكومة الفدرالية إنه لغاية شباط (فبراير) 2023 تمّ قبول أكثر من 1500 شخص في إطار هذا البرنامج التجريبي القادر على استيعاب ما يصل إلى 2750 شخصاً.
هذا و قال متحدثاً باسم وزارة الهجرة و اللاجئين أن أنّ البرنامج ’’وتمديده المحتمل إلى ما بعد الموعد النهائي المحدد‘‘ هما قيد التقييم.
’’لن يبقى هؤلاء القادمون الجدد في القطاع (…) إلّا إذا كان يوفّر أجوراً تنافسية وظروف عمل جيدة وآفاقاً طويلة الأجل لهم ولأسرهم‘‘، أضاف المتحدث.
شيخوخة الزراعة
وعلى الرغم من الأهمية القصوى للزراعة التي تعد مصدرا للغذاء ورافدا أساسيا من روافد الاقتصاد، تشير الإحصاءات والدراسات الحديثة إلى ارتفاع متوسط سن المزارعين إلى قرابة 60 عاما مع عزوف واضح للشباب عن العمل في هذا المجال الحيوي الذي يمثل المصدر الأساسي للأمن الغذائي عالميا والذي يحتاج إلى زيادة في الأيدي العاملة.
وعلى سبيل المثال، يشير التعداد الأخير لكندا، وهي من أكبر المنتجين الزراعيين في العالم وخاصة في مجالي الحبوب والزيوت، إلى أن متوسط عمر المزارعين الرئيسين (المسؤولين عن إدارة المزارع) وصل إلى 56 عاما، بينما تجاوز متوسط عمر العاملين في المجال الزراعي 41 عاما، وأكثر من ثلث العاملين في المجال عمرهم تجاوز 55 عاما.
أما تعداد الولايات المتحدة لعام 2022 وتقرير المزارع والأراضي الزراعية المشار إليه سابقا فيشير إلى أن متوسط عمر المزارع الأميركي قد ارتفع بمقدار أكثر من عام ليصل إلى 57 عاما و6 أشهر في عام 2017 بالمقارنة بعام 2012 الذي كان المتوسط فيه 56 عاما و4 أشهر.
ويبدو أن ما تشهده قارة أميركا الشمالية، والتي تتركز فيها نسبة كبيرة من الإنتاج الزراعي العالمي، لا يختلف عما تشهده بقية أنحاء العالم، فالتقارير تشير إلى أن متوسط عمر المزارعين عالميا يقترب من 60 عاما.
أسباب وحلول مقترحة
يعود عزوف الأجيال الحديثة عن العمل بالزراعة إلى أسباب عديدة أهمها أن كثيرا من الشباب ينظر إلى الزراعة على أنها مهنة صعبة وقليلة الأجر مع ساعات عمل طويلة وفرص محدودة للنمو والتطور.
ويعد التعليم أيضا من الأسباب، حيث تزايد عدد الشباب الذين يتخرجون في التعليم العالي، ومن ثم يشعرون بأن العمل في الزراعة لا يتماشى مع مؤهلاتهم وطموحاتهم المهنية، كما أدى استمرار نمو المدن وتوفير فرص عمل جديدة إلى جعل الشباب يفضلون الانتقال من المناطق الريفية والبحث عن عمل في المناطق الحضرية.
وعلى الجانب الآخر، تقف العوامل الاقتصادية عائقا أمام دخول الأجيال الجديدة إلى المجال في حال لم يكن مجال العائلة. فعوامل مثل انخفاض أسعار المحاصيل وارتفاع أسعار الأراضي تؤدي إلى صعوبة دخول الشباب مجال الزراعة، خاصة إذا لم يكن لديهم رأس مال كاف وخبرة في الإدارة والتسويق.
ولمجابهة هذا الخطر المهدد للأمن الغذائي العالمي، يجب تبنّي بعض الحلول التي تشجع الأجيال الجديدة على تسلّم المسؤولية من الجيل الحالي، وكذلك تشجيع الشباب من خارج العائلات العاملة بالزراعة على الدخول إلى المجال. وتشمل هذه الحلول تقديم الحكومات برامج توعية بأهمية العمل في الزراعة وتصحيح الآراء السائدة عن عدم جدواه الاقتصادية.
ومن المقترحات أيضا تقديم برامج دعم مادي لرفع مستوى استخدام الآلات والتقنيات في المزارع لجذب نوعيات مختلفة من الوظائف في مجالات التكنولوجيا الحديثة إلى العمل الزراعي، وكذلك برامج تمويل لتمكين الشباب من الحصول على أراض وآليات لإنشاء مزارعهم الخاصة.
وتمثل شيخوخة المزارعين خطرا داهما على الأمن الغذائي العالمي وعلى أحد المصادر الرئيسة للمواد الخام الداخلة في العديد من الصناعات العملاقة، ومن ثم فإن التحرك للحد من هذه المشكلة يجب أن تكون له أولوية قصوى.
To read the article in English press here
إقرأ أيضا: وندسور : إتهام طبيب من أصول عربية بارتكاب “سلوك مشين” ! لكن ماذا قال مرضاه ؟؟