منذ تأليفها عجزت الحكومة اللبنانية عن فتح نوافذ عربية أو دولية أمامها، لم يفلح رئيسها حسان دياب في القيام بجولة خارجية أو حتّى زيارة واحدة. بعض الجهات الدولية نظرت إلى حكومته على أنّها حكومة “حزب الله”، جهات أخرى وفي مقدّمها فرنسا إنتظرت أداءها وإصلاحاتها، فأتت النتيجة غاية في الإحباط. ورغم أهميّة مشهدية وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في السراي الكبير، كونه أوّل مسؤول أجنبي على هذا المستوى الرفيع يزور لبنان منذ تشكيل حكومة حسان دياب، إلّا أنّ الحكومة عاجزة عن الإعتداد بتلك الزيارة وتجييرها لصالحها، حتّى ولو أنّ حماسة دياب لإستقبال الزائر الكبير جعلته يخرق البروتوكول ليستقبل لو دريان خارج مكتبه.
إلى الإصلاح أضافت فرنسا شرط الحياد، فشكّلت بكركي المحطّة الأبرز في جولة وزير خارجيتها، لدعم نداء سيّدها في دعوته للحياد “لا سيادة من دون حياد”، وهو الأمر الذي كشفه لـ”لبنان 24″ قبل الزيارة بأيام الأستاذ الجامعي في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا محي الدين الشحيمي.
وفق مقاربة الدكتور الشحيمي في اتصال معنا، زيارة لودريان تخطّت في أبعادها المعضلة الإقتصادية والمالية في لبنان، واتصلت بالقلق الفرنسي على الصيغة اللبنانية وشكل الدولة والنموذج التعدّدي “من هنا تحرّكت الدبلوماسية الفرنسية في هذا التوقيت لتدعم من بيروت استمرارية التعدّدية المجتمعية والثقافية في لبنان. وهذه النقطة شكّلت عامل كباش بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، ففرنسا تتمايز في موقفها عن باقي الدول في التعامل مع لبنان. الثابت بالنسبة لها هو صيغة الكيان اللبناني التعدّدي الذي ينتهج مبدأ الحياد السيادي في تعامله الخارجي، وصيغة المناصفة في تعامله الداخلي وعدم غلبة فريق على آخر، الأمر الذي من شأنه أن يشكّل أرضية لمثالثة مرفوضة، أمّا المتحرك فهو الدعم والمساعدات، ويعتمد على مدى تجاوب السلطة الحاكمة في احترام الصيغة وتثبيتها، وفي تعاونها مع المجتمع الدولي”.
بالنسبة لفرنسا لبنان لن يكون منحازًا لشرق أو غرب، بل البلد السيادي الذي ييني علاقاته وفق قواعد مرتكزها السيادة والإستقرار والإستدامة. أمام هذه الأولوية الفرنسية تأتي المساعدات في مراتب أخرى، من هنا يقرأ الشحيمي في أبعاد الزيارة ما هو أعمق بكثير من مسألة المساعدات المادية “فعندما يكون الكيان اللبناني في خطر تتحرك فرنسا لحمايته، وهي لن تقبل بخسارة مختبرها الذي تفاخر به، لبنان التنوّع بمجتمعه المتعدد وعيشه المشترك، خصوصًا أنّ بلد الأرز يشكّل آخر مساحة للتنوع الواقعي، بعد فقدانه في العراق وسوريا”. انطلاقًا من هذه المقاربة تعنون الزيارة الرسالة التالية “احموا صيغتكم اللبنانية، تمسكوا بجوهر قيام لبنان الكبير”.
ولعلّ قول الرئيس ايمانويل ماكرون أنّ فرنسا لن تسمح بسيطرة الدول وخصوصا تركيا على شرق المتوسط، بالتزامن مع تبنّي وزير الخارجية الفرنسية من بيروت لمبدأ الحياد السيادي، يترجم جيدًا السياسة الخارجية لفرنسا في تلك البقعة الشرق أوسطية، ولبنان محورها.