بعد أيام من صدور قرار محكمة إسرائيلية يقضي بحق اليهود في ما تسمى “الصلاة الصامتة” في المسجد الأقصى، بدأ الاحتلال باستهداف بعض الشخصيات في القدس باستدعائها للتحقيق وإبعاد بعضها عن المسجد المبارك.
وعلى رأس هذه الشخصيات خطيب الأقصى رئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري الذي تسلم قرارا بإبعاده عن المسجد الشريف لمدة أسبوع، على أن يعود لاستلام قرار آخر تتراوح مدة الإبعاد فيه بين 4 و6 أشهر.
الشيخ صبري الذي يُلقب بـ “أمين المنبر” أكد -من خلال حوار خاص أجرته معه الجزيرة نت- أن ثبات موقفه تجاه قضية الأقصى واجب إلهي يجب الالتزام به، وأنه مستعد لأي اعتداء وقرار ظالم يوجه له من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
تاليا نص الحوار مع خطيب الأقصى المبارك الذي تطرق لأحدث الانتهاكات في المسجد الأقصى ومحيطه، وماذا ينتظر هذا المقدس الإسلامي بعد الصلوات العلنية للمتطرفين في رحابه؟
-
دعنا نبدأ من استدعائك الأخير، كم استمر التحقيق وعلى ماذا تمحور؟
هذا الاستدعاء ليس الأول ولن يكون الأخير ما دام الاحتلال جاثما على صدورنا، والهدف منه كم الأفواه وإخلاء ساحات المسجد الأقصى من المسلمين حتى يتمكن المقتحمون اليهود من تنفيذ اعتداءاتهم على المسجد.
كان التركيز خلال التحقيق على قضية المسجد الأقصى بشكل عام ومصلى باب الرحمة بشكل خاص، والذي أكدتُ أنه جزء لا يتجزأ من المسجد، وهذا ما لا يروق للاحتلال لأنه يخطط للسيطرة عليه وتحويله إلى كنيس لليهود، وبالتالي يزعجهم ترددي على المصلى للصلاة فيه وهو ما لا يرغبون به كي لا أشجع الآخرين على الصلاة فيه.
وجهوا لي كالمعتاد تهمة التحريض بالإضافة إلى أن وجودي في الأقصى يؤدي للإخلال بالنظام العام، وافتعلوا هذه التهم ليعطوا لأنفسهم تبريرا لإبعادي عن المسجد لمدة أسبوع قابلة للتمديد بناء على أوامر المفتش العام للشرطة.
-
كيف يُعامل الشيخ عكرمة صبري خلال التحقيق بحكم السن والظروف الصحية؟
الاحتلال لا يعطي أي احترام أو كرامة لكبير أو صغير، لامرأة أو لطفل، لكنني كنتُ أجيب على ضوء السؤال الذي يوجه لي وحسب قناعاتي فقط.
-
يأتي هذا الاستدعاء لك ولشخصيات أخرى معروفة بموقفها الثابت تجاه قضية الأقصى بعد أيام من قرار محكمة إسرائيلية السماح لليهود بالصلاة الصامتة بالمسجد، لماذا؟
هذ أمر مهم جدا، هم يريدون أن يعرفوا ما إذا كانت هناك ردود فعل تجاه قرار السماح لليهود بالصلاة الصامتة في الأقصى أم لا، وعلى ضوء ردود الفعل ينتقلون إلى مرحلة عدوانية متقدمة أخرى أو يتراجعون.
وبالتالي، يريد الاحتلال أن يستبق الأحداث بالاعتقالات والاستدعاءات والإبعادات حتى لا تتطور الأمور إلى منحى آخر، وحتى لا تحدث معارضة مؤثرة على الاحتلال، وهذا أمر مبرمج ومخطط له لأنهم يتوقعون ردود فعل غاضبة، فهم يريدون من خلال هذه الإجراءات كم الأفواه ودب الرعب في صفوف المقدسيين حتى لا يعترضوا على القرار الأخير من خلال استهداف بعض الشخصيات.
-
هل ننتظر في قادم الأيام ما هو أسوأ بحق المسجد الأقصى؟ ماذا بعد الصلوات العلنية للمستوطنين في رحابه؟
هذا يعتمد على ردود الفعل، فإن كانت بالمستوى المطلوب كما في هبّتي باب الأسباط صيف عام 2017 وباب الرحمة شتاء عام 2019 فإن الاحتلال سيتراجع عن اعتداءاته ومخططاته العدوانية العنصرية، وفي حال لم يكن هناك ردود فعل بالمستوى المطلوب يمكن أن يتجرأ الاحتلال، ويقدم على خطوة عدوانية أخرى متقدمة، وهذا يعتمد على موقف المقدسيين من جهة والدول العربية والإسلامية من جهة أخرى.
وعليه، نحن نحذر من تفاقم الأوضاع من حيث العدوان على الأقصى، ونحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية لأنها تتشدد لتثبت أنها قادرة على تلبية مطالب المتطرفين وأنها أقوى من الحكومة التي سبقتها، وكل ذلك على حساب المسجد الأقصى المبارك، وهذه السياسة العنصرية مرفوضة وتتحمل الحكومة الحالية اليمينية المتطرفة مسؤوليتها.
-
ليس بعيدا عن المسجد الأقصى، تتجدد الاعتداءات هذه الأيام على مقبرة اليوسفية الملاصقة لسور القدس التاريخي، كيف يمكن وقفها؟
الاحتلال يعتدي على الأموات كما يعتدي على الأحياء، لم تسلم القبور من الاعتداءات لأنهم طامعون في موقع المقبرة اليوسفية ونبشوا عدة قبور لشهدائنا.
وللأسف إذا اعتُدي على قبر واحد لليهود تقوم الدنيا ولا تقعد لكنهم يستبيحون قبور المسلمين في اليوسفية وقبور القرى المهجرة، وما يزيد عن 500 مقبرة انتهكت حرماتها.
ما حدث قبل يومين أن بلدية الاحتلال، وما تعرف بسلطة حماية الطبيعة والحدائق الإسرائيلية، تدعيان أن هذه المنطقة هي منطقة خضراء، واعتبروا أن وجود هذه القبور يشكل اعتداء على المنطقة الخضراء رغم أن هذه القبور قديمة دُفن بعض الموتى بها قبل 15 قرنا.
ولا بد من التأكيد على أن ادعاءاتهم باطلة، ويريدون من خلالها السيطرة الموقع المهم والحساس المحاذي للمسجد الأقصى.
-
ما الأثمان التي يدفعها الشيخ عكرمة صبري في سبيل ثبات موقفه تجاه المسجد الأقصى والمقدسات؟
ثبات الموقف ليس تمننا بل هو واجب إلهي علينا أن نلتزم به، ومن يلتزم بقرار الله ينبغي عليه أن يتوقع أي ضرر ممكن أن يلحق به، وهذا أمر متوقع، وأنا جاهز لأي اعتداء وقرار ظالم يوجه لي من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
الأثمان التي دفعتها مقابل الثبات على موقفي تعددت أوجهها، وأبرزها: الاعتقال، الاستدعاءات المستمرة، أوامر الإبعاد عن المسجد، المنع من السفر.
وحاليا هناك 3 قرارات سارية المفعول ضدي وهي: منعي من دخول الأقصى، منعي من السفر خارج البلاد، منعي من الاتصال بشخصيات فلسطينية في الداخل الفلسطيني.
-
من الناحية العاطفية ماذا يعني أن يُبعد خطيب عن المنبر الذي ألف الصعود إليه وإلقاء الخطب منه منذ عقود؟
من نعم الله علي أنني ارتبطت بالأقصى والأقصى ارتبط بي، وكانت أول خطبة لي على منبره بتاريخ 4-5-1973، وبالتالي أنا أخطب بالناس من هذا المكان منذ 48 عاما.
أتألم عندما أُبعد عن الأقصى الذي عشتُ معه منذ طفولتي قبل أن أكون خطيبا، وأنا متأثر من الناحية النفسية لكن عليّ أن أتحمل ذلك في سبيل الحفاظ على الأقصى، والثبات على موقفي.
يذكر أن التركيز في التحقيق الأخير كان أيضا على مضمون الخُطب التي يدعي الاحتلال أنها تعمل على “تهييج” الناس وتخل بالنظام العام، واستُدعيت مرارا بسبب خطب الجمعة التي ألقيها لأنني دعوت الجمهور للاحتكام لرجال الإصلاح، وعدم التوجه للمحاكم الإسرائيلية، واعتبر الاحتلال ذلك نوعا من التحريض.