بعد يوم على إعلان تشكيلتها الحكومية الجديدة، أعلنت حركة طالبان أنها ملتزمة بالمواثيق الدولية وحماية الدبلوماسيين واحترام حقوق الإنسان والأقليات وفق ضوابط الشريعة الإسلامية، في حين أبدت كل من الصين وأوزبكستان استعدادها للتعاون معها.
وأكد زعيم حركة طالبان الملا هبة الله آخوند زاده -في بيان- أن الحكومة المستقبلية في أفغانستان وجميع شؤونها ستكون متوافقة مع ضوابط الشريعة الإسلامية وأحكامها، وشدد على أن الحركة ستلتزم بجميع القوانين والقرارات والمواثيق الدولية التي لا تتعارض مع الشريعة.
كما تعهد آخوند زاده بضمان أمن الدبلوماسيين والسفارات والمؤسسات الإغاثية والمستثمرين، وبأن الأراضي الأفغانية لن تستخدم ضد أي دولة، وأكد أن الحركة تريد إقامة علاقات إيجابية وقوية مع جيرانها ودول العالم.
وأشار زعيم الحركة إلى أنه سيتم اتخاذ خطوات بشأن حقوق الإنسان والأقليات إلى جانب العمل على استقلالية وسائل الإعلام على أن تراعي الضوابط الشرعية والمصالح الوطنية.
وجوه قديمة وجديدة
وبعد 23 يوما من دخولها كابل والقصر الرئاسي، أعلنت طالبان أمس الثلاثاء تشكيلة حكومة تصريف للأعمال ومسؤولي بعض المناصب العليا في البلاد بالوكالة، وضمّت القائمة 33 اسما.
وتظهر أولى القراءات لإعلان حركة طالبان حكومة تصريف الأعمال أنه ضم أسماء أغلبها من الحركة ذاتها ومن قياداتها في العقدين السابقين.
وتشير القراءات إلى أن 14 من الأسماء المعلنة مسؤولون سابقون في طالبان خلال حكمها السابق و5 من معتقلي غوانتانامو السابقين، إضافة إلى 12 شخصية جديدة من الجيل الثاني في الحركة.
وقالت طالبان إن الملا محمد حسن آخوند سيكون رئيسا للحكومة الجديدة في أفغانستان.
وأوضح الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد خلال مؤتمر صحفي أن المؤسس المشارك لطالبان الملا عبد الغني برادر سيكون نائبا لرئيس الحكومة.
وأضاف أن الحركة تريد إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة ومع دول الجوار، ودعا دول العالم للاعتراف بالحكومة الأفغانية ومدّ يد العون إلى الشعب الأفغاني.
وأكد مجاهد أن “الحكومة غير مكتملة”، لافتا إلى أن الحركة التي وعدت بحكومة “جامعة” ستحاول “ضمّ أشخاص آخرين من مناطق أخرى في البلاد” إلى الحكومة.
واشنطن قلقة
وفي وقت مبكر من فجر الأربعاء، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه متأكد أن بكين وموسكو وإسلام آباد وطهران ستحاول التوصل إلى تفاهم مع حركة طالبان التي شكلت حكومة تصريف أعمال، مشيرا إلى أن تلك الدول تحاول معرفة ما يتعين عليها فعله للتعامل مع طالبان.
ووصف بايدن الصين بأنها تواجه مشكلة حقيقية مع حركة طالبان، وفق تعبيره.
بدوره، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس “نشعر بقلق من انتماءات وسجلات بعض أفراد الحكومة الجديدة التي أعلنتها طالبان.. نحن نقيّم الحكومة المكونة من أفراد ينتمون للحركة ومقربين منها وتخلو من نساء”.
وشدد برايس على أن الشعب الأفغاني يستحق حكومة شاملة، وأن بلاده تتوقع أن تضمن طالبان عدم استخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أي دولة.
وأضاف “طالبان أعلنت قائمة الحكومة على أنها مؤقتة، وسنحكم عليها من خلال الأفعال لا الأقوال”.
وأكدت الخارجية الأميركية أنها ستواصل إلزام طالبان بتعهدها السماح بمرور آمن للأجانب والأفغان الذين يرغبون في مغادرة البلاد.
وقبل ذلك بساعات، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن واشنطن “ليست في عجلة” للاعتراف بالحكومة الجديدة، معتبرة أن “الأمر سيعتمد على الخطوات التي تتخذها طالبان”، وأن “العالم سيراقب ومن ضمنه الولايات المتحدة”.
استعداد للتعاون
في المقابل، قال المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ ون بين، خلال المؤتمر الصحفي اليومي للوزارة، إن بكين مستعدة لمواصلة الاتصالات مع الحكومة الجديدة في أفغانستان. وذلك ردا على سؤال عما إذا كانت بكين ستعترف بالحكومة الأفغانية الجديدة.
وشدد وانغ على أن الصين تحترم سيادة أفغانستان واستقلالها ووحدة أراضيها.
بدورها، أعربت الخارجية الأوزبكية عن ترحيبها بتشكيل حكومة مؤقتة في أفغانستان، وأبدت استعداها للتعاون معها.
أما موسكو فقد أشارت إلى أنها ستستمر في اتصالاتها مع النظام في كابل عبر السفارة الروسية فقط.
وأكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن بلاده ستتواصل حاليا مع الحكومة الأفغانية الجديدة عبر السفارة الروسية لدى كابل فقط، وأوضح أن روسيا، كأغلبية الدول، ستراقب بتمعن الخطوات التي ستتخذها الحكومة الأفغانية الجديدة.
الموقف القطري
من جهتها، قالت مساعدة وزير الخارجية القطري لولوة الخاطر إن حركة طالبان أظهرت قدرا كبيرا من البراغماتية، وإنه يجب الحكم على الحركة بناء على تصرفاتها.
وفي مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، أكدت الخاطر أن الاعتراف القطري بحركة طالبان لن يأتي على الفور، مشيرة إلى أن قطر تسلك الطريق الوسط.
ويأتي تصريح مساعدة وزير الخارجية بالتزامن مع وصول مزيد من الطائرات القطرية إلى مطار كابل تحمل مساعدات ومعدات فنية لتشغيل المطار، في حين تتواصل أعمال الفريق الفني القطري لتجهيز المرافق والمنشآت المختلفة في المطار لاستئناف الطيران الدولي.
وقد تغلّب الفريق على كثير من المشكلات الفنية والتقنية مقارنة ببداية مهمته مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، وتتوقع مصادر أفغانية وقطرية استئناف الرحلات من مطار كابل وإليه خلال أيام.
مواقف حذرة
وأدلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس الثلاثاء بتصريحات حذرة عن الحكومة الأفغانية الجديدة التي أعلنتها طالبان، مؤكدا أنه سيرصد مسارها المستقبلي من كثب.
وخلال ظهور إعلامي مشترك مع ضيفه رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، قال أردوغان “كما علمتم أخيرا، من الصعب تسميتها دائمة، تم إعلان حكومة موقتة”.
وتابع “لا نعرف إلى متى ستستمر هذه الحكومة الموقتة، واجبنا الآن هو متابعة هذا المسار من كثب”.
أما إيران، فقد قال أمين مجلس الأمن القومي فيها علي شمخاني إن الأولوية في أفغانستان هي تحقيق الأمن والاستقرار.
وفي تغريدة على تويتر، أضاف شمخاني أن ما يثير قلق أصدقاء الشعب الأفغاني هو تجاهل ضرورة تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان ومنع التدخل الأجنبي والاحتكام إلى السلاح بدلا من الحوار، حسب قوله.
وتعليقا على إعلان تشكيل الحكومة، قال فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة إن المنظمة الدولية لا تشارك في أعمال الاعتراف بالحكومات لأن القرار يعود إلى الدول الأعضاء.
وأضاف “من وجهة نظرنا في ما يتعلق بإعلان اليوم، فإن تسوية شاملة يتم التفاوض عليها هي وحدها التي ستحقق سلامًا مستدامًا في أفغانستان”.
وتابع “لا تزال الأمم المتحدة ملتزمة بالإسهام في حل سلمي، وتعزيز حقوق الإنسان لجميع الأفغان -ولا سيما النساء والفتيات- وتعزيز التنمية المستدامة، بما يتماشى مع جدول أعمال 2030، وتقديم المساعدة الإنسانية المنقذة للحياة والدعم الحيوي للمدنيين المحتاجين”.