*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا
1. في عذر أقبح من ذنب، قال أستاذ جامعي لطلابه: لا تؤاخذوني على أخطاء تبدر مني في النحو والصرف، فأنا متخصص في النقد الأدبي! هكذا بكل بساطة وكأن التخصص في المادة يعفي المتخصص من أساسيات سبقت التخصص. فلو أن صاعداً على درجات سلم خشبي، كلما صعد درجة خلع ما قبلها لانتهى به الحال إلى أن يبقى معلقاً في الفضاء لا يأمن السقوط، وهذا حال صاحبنا المتخصص.
2. كنت تلميذاً في الصف السابع الإعدادي، وفي درس اللغة العربية كتب المعلم على السبورة قول ابن الرومي: « يقتر عيسى على نفسه….. وليس بباق ولا خالد….. ولو (اسطاع) بتقتيره ….. تنفس من منخر واحد. وحضر الموجه وجلس في آخر المقاعد، فلما أبصر الكتابة على السبورة قام من مكانه وتقدم إلى السبورة، فتناول المساحة ومحا بهما كلمة (اسطاع) و كتب كلمة (يستطيع)، ثم عاد إلى مكانه آخر الغرفة، فظهر لنا أن المعلم أخطأ في الكلمة على حال أخل بالوزن العروضي للبيت.
3. وفي مسابقة لانتقاء المدرسين سأل الموجه متسابقاً يحمل شهادة دكتوراه في اللغة العربية أن يقرأ قول الشاعر جرير: لولا الحياء لهاجني استعبار ….. ولزرت قبرك والحبيب يزار. فقرأ المتسابق البيت، ثم طلب منه الموجه أن يعرب الكلمات، فلما بلغ كلمة (لهاجني) أعرب (لها) جاراً ومجروراً، وتوقف في إعراب (جني) فقال له الموجه: إنهما كلمة واحدة (لهاجني) بمعنى (أثارني) فظهر أن الرجل لم يفهم معنى البيت.
4. وفي درس للتاريخ ذكر المعلم المتخصص للطلاب أن (المستقيم) هو آخر الخلفاء العباسيين، فلما انتهى الدرس وخرج المعلم بصحبة الموجه، قال له الموجه: لقد أخطأت في اسم الخليفة، إنه (المستعصم) وليس المستقيم، فأرجو أن تصوب الخطأ للتلاميذ، فما كان من المعلم إلا أن فتح الكتاب وقال للموجه: أنظر إنه المستقيم، فأجابه الموجه كيف خفي عليك أنه خطأ مطبعي؟ فسكت المعلم ولم ينبس ببنت شفة.
5. وفي درس التربية الإسلامية، قرأ المعلم من سورة النساء (وإن كانوا رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) فضاق نفسه ووقف على كلمة(نساءً) بالسكون (نساءْ) فصوب له الموجه لفظها (نساءا). وبعد الدرس شرح الموجه للمعلم قاعدة مد العوض حيث يحول التنوين إلى ألف عند الوقف.
6. هذا غيض من فيض من أحوال كثير من حملة الشهادات الجامعية الذين يوكل إليهم تعليم أولادنا، فماذا يمكن أن نقول في شهاداتهم الجامعية. ولقد عرفنا أيام دراستنا، جامعة واحدة في الدولة تقبل من حملة الدراسة الثانوية من يجتاز المسابقة بنجاح، فأصبح اليوم للذين لا ينجحون في المسابقة جامعات أهلية تفتح ذراعيها لكل من يدفع الأقساط بصرف النظر عن صلاحيته لنيل الشهادة. وهكذا لم تعد مهنة التجارة مقتصرة على بيع المواد والمنتجات فقد فتحت دكاكين تباع فيها الشهادات.