السيدة آمنة بنت وهب المعروفة بـ “زهرة قريش”، كانت أفضل فتيات قريش نسبًا، ولحسنها ولعظيم نسبها، خبأها أهلها عن الجميع، فكان لا يعرفها سوى القليل من الناس المقربين جدًا من أبيها وهب بن عبد مناف، لذا نالت مكانة عالية جدًا بين الجميع، حتى أنه لما بدأت تكبر قليلا، وكان يراها بعض النساء يتمنين لو يزوجنها لأحد أقاربهن من حسنها وجمالها وفي ذات الوقت، لبراءة وجهها وحيائها الشديد.. فكان أن تقدم لها عشرات الشباب، إلا أن أبيها كان يرفض، لأنه كان يريد لها زوجًا يناسب مقدارها.
زواجها من عبدالله بن عبدالمطلب
مع استمرار رفض أبيها لكل المتقدمين للزواج بها، إذ بعبدالمطلب (جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم)، يطلبها للزواج من ابنه عبدالله، وكان يشتهر بأنه أجمل الشباب وأوسمهم، خصوصًا بعد أن نجاه الله من قصة الذبح، إذ يروى أن عبدالمطلب نذر لو رزقه الله عشرًا من الأولاد لقدم أحدهم ذبيحًا لله، فلما رزقه الله بالعشرة أولاد، كان السهم يقع على عبدالله في كل مرة يستهم عليهم، إلا أنه فداه بمائة من الإبل، فكانت لقصته هذه صدى كبير في قريش، فما كان من وهب بن عبد مناف، إلا أن وافق على تزويجه من ابنته آمنة.
أيضًا من الأمور الأخرى التي جعلت وهب بن عبد مناف يقبل عبدالله زوجًا لابنته، إن امرأة يهودية كانت رأت في وجهه نور النبوة، فأرادت الزواج منه، لكنه رفض، وقيل إنه لما تزوج من آمنة انتقل هذا النور إلى وجه زوجته.
أعظم حمل
يروى أن عبدالله مكث عند زوجته أيامًا قليلة، لأنه كان عليه أن يلحق بالقافلة التجارية المسافرة إلى الشام، ومرت الأيام وشعرت خلالها “آمنة” ببوادر الحمل، وكان شعورًا خفيفًا لطيفًا ولم تشعر فيه بأية مشقة أو ألم حتى وضعته، لكنها في ليلة زفافها رآت رؤيا عظيمة وغريبة أفزعتها وأثارت دهشتها.. إذ رأت آمنة شعاعاً من النور خرج منها فأضاء الدنيا من حولها حتى تراءت لها قصور بصرى في الشام وسمعت صوتًا يقول لها: “يا آمنة لقد حملتِ بسيد هذه الأمة”.
وقد ظل هذا الحلم في مخيلتها ولم تنساه وكانت تحدث اقرب الناس لها عنه باستمرار حتى مضت شهور وجاء الخبر القاسي.. حين علمت آمنة من أبيها بوفاة زوجها وحبيبها عبدالله أثر تعرضه لمرض أثناء رحلته فتوفي بيثرب ودفن فيها، فوصل الخبر لآمنة لكنها لم تبك عليه وحدها، بل بكت عليه مكة كلها، ومع ذلك صمدت آمنة حتى تحافظ على سلامة جنينها، وبالفعل جاء اليوم الموعود ووضعت وليدها.. فولدت أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد أن كبر قليلا أخذته ليزور قبر والده بصحبة سيدة أخرى تدعى “أم أيمن”.. وفي طريق العودة شعرت آمنة بتعب شديد، حتى سقطت متوفية.. وعن هذه اللحظة، تقول أم أيمن: “قبل وفاتها رفعت كفيها وهي تضم محمدًا، وتقول له: (يا بني كل جديد بال، وكل آت قريب، وكل حي ميت)، لتكون اللحظة الأصعب، وهي أن طفلا لم يتخط السابعة من عمره، يحفر قبر أمه بيده، ثم يدفنها.. إنها آمنة بنت وهب من أنجبت خير البشر صلى الله عليه وسلم.