*بقلم: (المعلم) الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا
1- نشأنا على حب الشيوخ (المشايخ) واحترامهم وخدمتهم، كنا نقبل أيديهم ونحمل نعالهم ونتبرك بهم ونتسابق إلى قضاء حوائجهم، ونقدمهم في المجالس والمناسبات. كانوا أهلاً لذلك علماً وعملاً وأخلاقاً، علماء في الشريعة أئمة في الصلوات، خطباء على المنابر أساتذة في الدروس، مراجع في الفتاوى قضاة في المنازعات قادة في الملمات، كانوا آلفين مألوفين متواضعين لا يتميزون عن الناس بهيئة ولا بلباس، كانوا خيوطاً لامعةً في نسيج المجتمع، وكان كثيراً منهم أصحاب حرفة يعتاشون منها، فأورثهم ذلك عزةً في أنفسهم وشرفاً في عيون الناس.
2- اليوم يطلق وصف الشيخ على من لا يقوم بهذه الشعائر وعلى من لم يقم بها من قبل، على طالب العلم الشرعي ومدرس التربية الإسلامية ومحفظ القرآن الكريم والمؤذن ومنشد المدائح النبوية والشاب الذي أطلق لحيته، وعلى متخصصين في العلوم والفنون يرغب أحدهم في المشيخة فيؤلف كتاباً شرعياً لا يأتي فيه بجديد، على أنه لو تابع تخصصه لأتى بما لم يأت به الشيخ.
3- وفي جانب آخر فإن بعض المشايخ تحول إلى أخصائي في علم النفس والجسد يروي القصص والحكايات ويفسر الأحلام ويعلم الناس كيف يبلغون الأماني بالدعاء لا بالعمل. يزعم أحدهم انه يعتزل الفتنة بين الحاكم وخصومه كما فعل عبد الله بن عمر(رض) يوم اختلاف علي (رض) ومعاوية (رض). فهل في حكام اليوم مثل علي أو مثل معاوية؟ ويقول آخر أنه لا يهمه من يحكم، المهم كيف يحكم؟ فليقل لنا كيف يحكم من لا يكون أهلاً للحكم؟
4- والأمر الذي لا يمكن قبوله بحال أن يطلق وصف الشيخ على رجال لهم صورة المشايخ لا حقيقتهم، وضعوا أنفسهم في خدمة الحاكم الظالم، يسبحون بحمده ويقدسون له ويتسابقون في خدمته، بلغ الأمر ببعضهم أن يخرج في تظاهرة يهتف بها للحاكم. وفي مقالة لمفتي النظام السوري ذكر أن سورة التين تصف ما يجري في سورية فالذين خلقوا في أحسن تقويم هم أنصار الرئيس. وخصومه هم الذين ردوا أسفل سافلين. هؤلاء المنافقون تعرفهم بسيماهم، بعمامة على هيئة سفينة ترمز إلى بحر من العلوم تحتها، أوعمامة مثل كرة القدم إذا انفلتت بلغ قياسها عدة أمتار، ولا تسأل عن الجبة، وأشكالها، واللفافة وأطوالها. لهم مريدون لا يفارقونهم في مسيرتهم ومجالسهم وفي جميع أحوالهم. يحترفون ما يسمى بصناعة المشيخة وليس لهم من المشيخة نصيب. كل ذلك يذكرني بقول الشاعر: زعمتني شيخا ولست بشيخ … إنما الشيخ من يدب دبيبا. قاله الشاعر لمناسبة أخرى غير هذه المناسبة.
5- الشيخ حقيقة هو الذي يسلك طريق المشيخة من بدايته، ويواصل مسيرته فيه كل عمره، علماً وعملا ًوخلقاً وسيرة، لا يحول ولا يتحول. وإن وجود المشايخ الأكفاء فرض كفاية على المسلمين في كل بلد. وقد حذرنا رسول الله(ص) من عدم وجودهم بقوله: (إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور العلماء، وإنما يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساءً جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا واضلوا). فمن واجب أهل كل بلد انتقاء أولاد أذكياء ذكور وإناث من المرحلة الابتدائية، يوجهونهم إلى المدارس الشرعية، حتى إذا أتموا المرحلة الثانوية وتابعوا دراستهم الجامعية، وتخصصوا في علوم القرآن والحديث والفقه والدعوة والإرشاد والقضاء والسياسية الشرعية والاقتصاد الاسلامي، أصبحوا علماء عاملين يوثق بهم ويعتمد عليهم ويطمأن لهم. وإننا نشهد ظاهرة طيبة في إقامة المساجد فليتنا نهتم بتنشئة العلماء الذين يعمرون هذه المساجد ويكونون مصابيح هداية ورسل سلام وقادة مجتمع. وحبذا لو أن شيخ المسجد يختار فتى نابهاً ليرافقه فيأخذ من علمه وسلوكه ما يجعله خلفاً صالحاً له.
6- إني أتقدم بالشكر لجريدة الفرقان على نشرها مقالاتي المتواضعة، وأحب ان اقول: إن إجازة في الشريعة لا تجعل المجاز شيخا، وإن إجازة في القانون لا تجعل المجاز قاضياً، وإن إجازة في التربية والتعليم لا تجعل المجاز أستاذاً. ما لم تقترن هذه الإجازات بعمل متواصل في مجال التخصص. فأنا لذلك لست أكثر من معلم أمضيت عمري في التعليم والإدارة والتوجيه التربوي. فليت الجريدة تقدمني بهذه الصفة (المعلم) بغير صورة فأنا في الحقيقة لم اقارب مرتبة الشيخ ولم أبلغ منزلة الأستاذ. وأسأل الله تعالى أن يبارك لنا في بلدنا بشيوخ قراءتهم تبهج النفوس وخطبتهم تثير الحماس ونشاطهم يحرك المجتمع.