على مدى الأسابيع الستة الماضية، انتشرت حرائق الغابات الهائلة في جميع أنحاء كندا، مما تسبب في عمليات إجلاء جماعية وحرق أكثر من 3.3 مليون هكتار من الأراضي في ماريلاند أكبر من ولاية بالبلاد.
وبينما يمتد موسم حرائق الغابات في كندا عادة من مايو/أيار حتى أكتوبر/تشرين الأول، فإن مثل هذا الدمار في بداية الموسم نادراً ما يحدث.
فبعد شهر واحد، شهدت كندا أكثر مواسم حرائق الغابات تدميراً في التاريخ وأدت درجات الحرارة الشديدة والجفاف الناجم عن تغير المناخ إلى خلق حالة من الصدمة.
فيما لم تقتصر هذه الأزمة الكندية على مناطق الشمال، بل انتشر الدخان الناتج عن الحرائق عبر جزء كبير من الولايات المتحدة، مما أثر على جودة الهواء للملايين عبر الساحل الشرقي، حيث اشتعلت الحرائق دون وجود أي علامات على توقفها.
لماذا تحترق كندا؟
وتعد الظروف الدافئة والجافة سبباً في إشعال حرائق الغابات، فقد شهدت مناطق كثيرة من كندا، مثل بقية أميركا الشمالية، حرارة قياسية وجفافاً في الفترة الأخيرة و ألقى رئيس الوزراء الكندي باللوم على التغيير المناخي و ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض.
و يختلف معه الخبير في العلاقات الدولية محمد اليمني مؤكدا وجود الإهمال والتقصير من الحكومة الكندية لسببين، “الأول أنها ليست المرة الأولى، بل يحدث ما بين 10- 20 حريقا خلال السنة؛ ما يعني ضرورة توفر الاستعدادات”.
السبب الآخر، هو “عدم الالتزام بمعايير السلامة”، مشيرا إلى أن الحكومة هناك “تطلب موظفين خبرة وبدون خبرة في مجال السلامة والأمان”.
كيف بدأت الحرائق في كندا؟
كما أن الطقس الجاف الحار يولد المزيد من البرق. وفي الموسم العادي، تبدأ نصف حرائق الغابات في كندا بالبرق، لكن تلك الحرائق مسؤولة عن أكثر من 85% من حرائق الغابات المدمرة، أما النصف الآخر فهو من صنع الإنسان.
وما قد يبدو كزيادات طفيفة في متوسط درجات الحرارة له عواقب وخيمة.
وأوضح الخبير أن “معظم الحرائق تبدأ في الغابات الشمالية في شمال كندا بالبرق. وتؤدي زيادة درجة الحرارة بمقدار درجة واحدة مئوية إلى زيادة برق بنسبة 12% تقريباً. لذلك، كلما زادت درجة حرارة الجو مع ارتفاع درجة حرارة المناخ، زادت العوامل المحفزة للحرائق”.
وفي منطقة كيبيك الكندية، على سبيل المثال، اندلعت الحرائق بسبب البرق، لكن المسؤولين في ألبرتا قالوا إن سبب الحرائق هناك غير معروف حالياً.
وفي أماكن أخرى من البلاد، تسبب الإنسان في هذه الحرائق بطرق مختلفة من أعقاب السجائر المهملة إلى الشرر من القطارات المارة.
نزوح الآلاف
ورغم أن حرائق الغابات شائعة في كندا، فمن غير المعتاد أن تشتعل الحرائق في وقت واحد بالشرق والغرب، مما أدى إلى زيادة موارد مكافحة الحرائق وإجبار الحكومة الكندية على إرسال الجيش للمساعدة.
ووصل مئات من رجال الإطفاء الأميركيين إلى كندا لتقديم المساعدة وهناك آخرون في الطريق.
واندلع بعض من أسوأ الحرائق في كيبيك بشرق البلاد، واضطُر أكثر من 11 ألفا إلى إخلاء منازلهم في الإقليم.
وبدأ موسم حرائق الغابات مبكرا على غير المعتاد في إقليم ألبرتا الشهر الماضي وأتى على مساحة قياسية من الأراضي. كما يواصل إقليم نوفاسكوشيا مكافحة أكبر حرائق يشهدها على الإطلاق.
و وصلت درجات الحرارة في مناطق من إقليم كولومبيا البريطانية، الذي يواجه ثاني أكبر حرائق غابات على الإطلاق، إلى 33 درجة مئوية الخميس قبل وصول العواصف الرعدية وهطول أمطار غزيرة اليوم الجمعة.
إيمان الكنديين بحلول يوم البعث
ما يحصل اليوم يعيد إلى الذهن تلك الحقبة التي أتت فيها النيران على مساحات واسعة من كندا حين اتجه الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت أثناء فترة الحروب النابليونية، وتحديداً في عام 1806، لفرض الحصار القاري على بريطانيا، مانعاً بذلك البريطانيين من مواصلة حركتهم التجارية مع عدد مهم من المناطق الأوروبية المطلة على المحيط الأطلسي.
ومع فقدانهم للخشب الأوروبي الذي كان ضرورياً لأحواض بناء السفن، وجّه البريطانيون أنظارهم نحو الخشب الكندي. ووفر الحصار القاري فرصة للكنديين لتحسين تجارتهم وتحقيق مزيد من الأرباح.
وفي خضم نمو تجارة الخشب، شهدت مقاطعة نيو برونزويك (New Brunswick) الحالية، عام 1825 قبل الاتحاد الكونفيدرالي عام 1867، حريقاً هائلاً صنف كواحد من أكبر الحرائق بتاريخ البشرية، وأسفر عن تخريب قسم واسع من غابات المنطقة.
حرائق وسماء حمراء ويوم القيامة
وشهدت المقاطعة في هذا العام صيفاً حاراً غير مسبوق رافقه انخفاض حاد في نسبة الرطوبة. وبسبب ذلك، عاشت المقاطعة على وقع حرائق اجتاحت المناطق المحاذية لكل من فردريكتون (Fredericton) وخليج شالير (Chaleurs) ومضيق نورثمبرلاند (Northumberland).
إضافة للطقس الحار غير المسبوق، لعب السكان المحليون دوراً هاماً في إشعال الحرائق وتفاقم الأزمة بسبب سياسة قطع الأشجار وحرق النباتات التي اعتمدوها لتوفير أراضٍ صالحة للزراعة.
ويوم 19 سبتمبر/ أيلول 1825، امتدت الحرائق بالمنطقة لتطال إقامة الحاكم البريطاني هاورد دوغلاس (Howard Douglas) الذي طالب السلطات البريطانية بتدخل عاجل لتجنب كارثة بنيو برونزويك.
ويوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 1825، شهدت المنطقة هبوب رياح عاتية ساهمت في توسع وانتشار الحرائق، التي أصبحت شبيهة بعاصفة نارية، نحو مدن عديدة كفردريكتون التي دمر عدد هام من منازلها.
في الأثناء، سجلت ميراميشي (Miramichi) أكبر نسبة من الأضرار حيث التهمت النيران حوالي ألف كلم مربع منها ومن المناطق المحاذية لها. وبسبب ذلك، لقّب هذا الحريق عام 1825 بحريق ميراميشي.
وحسب شهادات المسؤولين بتلك الفترة، فرت أعداد كبيرة من الماشية نحو الغابات عقب مشاهدتها للنيران والدخان. فضلاً عن ذلك، تسبب هذا الحريق في تغير لون السماء نحو الأحمر بالمنطقة.
وبسبب عدم حصولهم على معلومات كافية حول حرائق الغابات بمقاطعتهم، آمن عدد كبير من أهالي نيو برونزويك بحلول “يوم القيامة”.
احتراق 16 ألف كلم مربع من الغابات
وأسفر الحريق عن مقتل حوالي 300 شخص فيما تحدثت مصادر أخرى عن عدد ضحايا مرتفع قارب الثلاثة آلاف.
وبسجن مدينة نيوكاسل بنيو برونزويك، احترق العديد من السجناء عقب فشلهم في المغادرة ومحاصرتهم من قبل النيران.
من جهة ثانية، أحرقت النيران 16 ألف كلم مربع من الغابات وهو الرقم الذي يعادل خمس إجمالي مساحة الغابات بالمقاطعة.
إلى ذلك، قاد الحاكم البريطاني هاورد دوغلاس جهود الإنقاذ بكل من فردريكتون وميراميشي. وبفضل نداء الإغاثة الذي أطلقه، وفرت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وبقية المقاطعات الكندية، القابعة حينها تحت النفوذ البريطاني، نسبة كبيرة من المواد الغذائية والملابس التي ساهمت في إنقاذ وإغاثة نحو 16 ألفا من المتضررين.
To read the article in English press here
إقرأ أيضا: الحفاظ على الأخلاق في وندسور تحديدا ! … ( صدر العدد الجديد )!