كان لافتاً خلال الأيام الماضية عدم صدور أي بيان رسمي لـ”حزب الله” بشأن ما حصل في مخيم البرج الشمالي، سواءً بشأن الانفجار أو بشأن حادثة إطلاق النار التي أجّجت الصراع بين حركتي “حماس” و”فتح“.
السّكوت الذي يخيّم على أوساط “حزب الله” بشأن تلك القضية قاطعه كلامٌ في العموميات بشأن ذلك الملف، وقد جاء قبل يومين على لسان نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، إذ شدّد في كلمة له خلال احتفال على وحدة الصف الفلسطيني، وهو موقف يتكرر دائماً من دون الانخراط في التفاصيل.
في الواقع، فإن المراقبين توقفوا عند عدم دخول “حزب الله” في حيثيات القضية خصوصاً أن هناك روابط تتعلق به بشكل مباشر، وقد ترك هذا الأمر تساؤلات عديدة: هل تقصّد حزب الله الابتعاد على تلك الأحداث؟ هل آثر البقاء جانباً بانتظارِ صدور نتائج التحقيقات الرسمية؟
المعروف بشكل أساسي أن الحزب يعتبرُ ملف المخيمات الفلسطينية حساساً جداً، ويرى في أمن تلك المخيمات أولوية كبرى خصوصاً في منطقة الجنوب. وحتى لو لم يكن لـ”حزب الله” أي بروز مباشر، إلا أن تحرّكه وراء الكواليس على خط الأحداث قد تمّ وحصل. في الآونة الأخيرة، أجريت اتصالاتٌ بينه وبين قيادتي “فتح” و “حماس” لتطويق ذيول الأحداث التي شهدها البرج الشمالي، خصوصاً أن ارتدادات أي صراعٍ داخل المخيمات لن تبقى محصورة ضمنها أبداً، وهذا الأمر سينعكسُ سلباً عليه من الناحية الأمنيّة
مثل “حزب الله”، فعلت حركة “أمل” التي قالت مصادرها لـ”لبنان24” إنّ “الاتصالات ما زالت مستمرّة، وهناك مساعٍ دؤوبة للوصول إلى حلحلة بشأن الأحداث”، وأضافت: “نحنُ بانتظار نتائج التحقيقات الرسمية، وهذا مطلبٌ فلسطيني بالدرجة الأولى، والهدف الأول هو حفظ الاستقرار بأي وسيلة كانت”.
من الجهة الفلسطينية، فإنّ الأمور باتت بعيدة عن “الإيجابية”. ففي حديثه عبر “لبنان24“، أكّد مسؤول عسكري بارز بحركة “فتح” في لبنان إنّ “الأمور لم تثمر خيراً ولم تتوصل إلى نتيجة”، مشيراً إلى أن “الحركة كانت جدية يوم الثلاثاء في إعلانها قطع التواصل مع حركة حماس في كل لبنان“، وأضاف: “الاتهامات التي شهدناها بحقنا عقب حادثة إطلاق النار داخل المخيم جاءت جزافاً، ونترك الملف للدولة اللبنانية التي ستكشف الحقائق عاجلاً أم آجلاً”.
لماذا ابتعد “حزب الله” عن التعليق؟
من وجهة نظر “حزب الله”، فإن التدخل المباشر في أحداث المخيمات لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة اليه، وتقول مصادر مقرّبة منه لـ”لبنان24” إنّ “الحزب لا يدخلُ في صراعات فلسطينية داخلية، كما أن لا يمكنه أن يقف طرفاً مع أحد في قضية لا تعنيه لا من قريب أو بعيد”.
وسط ذلك، ما زالت حاضرة تلك الرواية التي تقول أن انفجار البرج الشمالي استهدفَ مخزناً للأسلحة والذخائر، حتى وإن نفت حركة “حماس” ذلك. في الحقيقة، فإن من مصلحة الأخيرة إن تنفي ذلك حتى لو كان صحيحاً، لأن الأمر ليس سهلاً وقد يسلط الضوء على دور أمني لـ”حزب الله” إلى جانب الحركة الفلسطينية، سواء على صعيد نقل الأسلحة أو تخزينها، وذلك عملاً بالتحالف الوطيد الذي يجمعهما
وعن هذه النقطة، تقول أوساط الحزب: “حركة حماس ليست بحاجة لنا من أجل نقل السلاح. الفصائل الفلسطينية موجودة منذ زمن طويل، ولديها طرقها لإدخال السلاح إلى المخيمات، والطرق ليست مقفلة أبداً”.
وأضافت: “منظمة التحرير وحركة فتح والجهاد الإسلامي وكل الفصائل تعتمدُ أساليباً متعددة لإدخال السلاح، كما أن لديهم من الخبراء ما يكفي لكيفية التخزين، كما أنه لا يمكن لأي جهة أن تستخفّ بالقدرات والخبرات العسكريّة الموجودة لدى الفصائل“.
أمن الجنوب في خطر؟
خلال الأيام الماضية، برزت تحليلاتٌ وآراء لخبراء تشير إلى أنّ الانفجار الذي حصل في المخيم إنّما يشير إلى انتهاك للقرار 1701. فالمنطقة التي حصل فيها الحدث تخضع لسلطة القوات الدولية “اليونيفيل”، وتخزين السلاح يساهم في انتهاك القرار الدولي، باعتبار أنه نشاط غير شرعي.
في الواقع، فإن ملف السلاح الفلسطيني يعتبرُ مسألة جدليّة في لبنان وذلك قبل صدور القرار 1701 في آب 2006، خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان آنذاك. كذلك، فإن سلاح المخيمات هو مسألة قديمة – جديدة، والحديث عنها يتكرر بين الحين والآخر، إلا أن اتخاذ قرارات فعلية بشأنها يحتاجُ إلى قرار دولي وبالتفاهم مع الفصائل الفلسطينية.
مع كل ذلك، يتبين أن لدى “حزب الله” أولويات أخرى، وأساسها ألا تكون ساحة الجنوب مباحة لأي تحرّك فلسطيني مهما كانت درجة التنسيق كبيرة وعالية مع الفصائل العديدة، خصوصاً مع “حماس“.
وبشكل أساسي، يبقى واضحاً لدى الحزب أن يبقى هو اللاعب الوحيد في الجنوب خلال أي معركة، كما أن ما يتبين بشكل دائم هو أن الحزب لم يقبل بأن تكون مناطقه منصة لعمليات ضد الداخل الإسرائيلي، باعتبار أن ذلك يُقحمُه في معركة ويعرض أمن الجنوب لخطر كبير، وأيضاً يفتح أمامه ملفاً جديداً عنوانه منح الفلسطينيين منصة للقيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل من لبنان.
وعلى أية حال، فإنّ ضبط الأمور سواء في المخيمات وأيضاً في الجنوب ومنع أي فصائل للتحرك على حساب الأمن هناك، كلها أمورٌ مطلوبة لأولويات أمنية بالدرجة الأولى. ورغم كل ذلك، تبرز المخاوف من ان يتكرر ما حصل في البرج الشمالي في أي مخيم آخر، وذلك في حال صدور “أمر عمليات” بإشعال الجبهة انطلاقاً من الوجود الفلسطيني في لبنان.