اليوم يقف التحالف الثنائي بين حزب الله والتيار العوني أمام محطة مفصلية، في ظل قراءات ومراجعات متعددة للمرحلة السابقة. فالتحالف الثنائي هذا نجح في السيطرة على السلطة، والوصول إلى رئاسة الجمهورية، وتشكيل الحكومة التي يريدها، ومن لون واحد. لكن خلافات جذرية وجوهرية لا تزال قائمة بين هذا الثنائي حول الرؤية إلى البلد. وهذا موضوع نقاشات ومباحثات تدور داخل كل طرف منهما. فالتحالف الذي بنى أمجاده بوصوله إلى السلطة، بدعاية الإصلاح ومحاربة الفساد والمقاومة والتحرير، قد انتهت صلاحيتها على الأرجح. ذلك أن البلد انفجر في وجه هذا الثنائي عملياً. وهو كان يتذرع بفساد قوى أخرى يطلق عليها “قوى الطائف”، هي اليوم خارج الحكومة. والمشاكل لا تزال تعتري العلاقة بين الحليفين، خصوصاً في ما يتعلق بالسياسات المالية والاقتصادية. الاختلاف لا يقتصر على التيار العوني وحزب الله، بل ينسحب أيضاً بين الحزب وحركة أمل. وهذا سينعكس أكثر في الطروحات المالية والإصلاحية للخروج من الأزمة في المرحلة المقبلة.
أزمة كبرى
يواجه التحالف الحاكم اليوم أزمة كبرى في ما يتعلق بإدارة البلاد، فتتجاذبه وجهات نظر متضاربة. قد لا يكون هناك خلاف كبير على القضايا الخارجية، ولكن في الداخل الخلافات كبيرة. ويجد التحالف نفسه أمام تحدّ كبير. وإذا لم يتوصل إلى تفاهم على كيفية إدارة الملفات الداخلية، فسيكون أركان التحالف أمام مشكلة حقيقية مع جمهورهم. وتحتاج الأزمة الراهنة إلى معالجات جذرية وحقيقية، ولا بد من اتخاذ قرارات مؤلمة. وفي حال عدم الذهاب إلى مثل هذه القرارات، فإن الوضع سينفجر، وقد ينفجر التحالف نفسه.
لم يعد من مجال للإبقاء على العلاقة في صيغتها التي كانت عليه بين حزب الله والتيار العوني. لقد صار ضرورياً تطويرها للحفاظ عليها وفق ما يقول مسؤولون عونيون. يعتبرون أنه لا بد من توحيد الرؤى مع حزب الله، خصوصاً في ما يتعلق بمستقبل النظام والدولة. ولا بد من إيجاد إجابات عن أسئلة ما بعد انتهاء اتفاق الطائف، وكيفية تركيب بنية جديدة للنظام.
حزب الله يبدو أكثر هدوءاً في التعاطي مع الوقائع. أما أركان التيار العوني فمتحمسون ومستعجلون لاستغلال الفرصة التي يعتبرونها مواتية للإطاحة بتركيبة النظام التي أرسيت في العام 1989. يعتبرون أن الوقت قد حان للانتقام والثأر من تلك اللحظة، تحت شعار “استعادة الصلاحيات” (إحياء الهيمنة المارونية السياسية).
جبهة سياسية قريباً؟
منذ يومين، عقد الحزب “التقدمي الإشتراكي” و”تيار المستقبل” اجتماعاً تنسيقياً في مركز “التقدمي” في بيروت حضره عن التقدمي أمين السر العام ظافر ناصر، ومفوض الشؤون الداخلية هشام ناصر الدين، ومفوض الإعلام صالح حديفة ووكلاء الداخلية في المناطق، وعن المستقبل حضر الأمين العام للتيار أحمد الحريري، منسق الإعلام عبد السلام موسى، ومسؤولو التنظيم ومنسقو المناطق.
وتطرق الإجتماع إلى الشؤون المشتركة بين الطرفين وكيفية التنسيق لمواجهة التحديات في هذه المرحلة.
وتقاطعت مواقف الاشتراكي على لسان امين السر العام الذي استعاد المسار التاريخي والمحطات النضالية المشتركة التي جمعت رئيس الحزب وليد جنبلاط والرئيس الشهيد رفيق الحريري واستُكملت مع الرئيس سعد الحريري لأجل سيادة واستقلال لبنان، مع تأكيد “المستقبل” من خلال امينه العام على العمل المشترك للسير ضمن نهج مستقبلي يستند إلى مؤسسات الدولة بعيداً من التعطيل الذي يضرب ميثاق الوحدة الوطنية والطائف.
فهل يُعتبر هذا الاجتماع القيادي المشترك مقدّمة لاعادة تنظيم صفوف التحالف السياسي التقليدي الذي ينضويان تحت رايته منذ العام 2005 اي قوى الرابع عشر من آذار، عشية الذكرى الخامسة عشرة لانفجار 14 شباط؟ ام ان الظروف الحالية التي يمرّ بها البلد والتي فرضت خروجهما من الحكومة الى صفوف المعارضة فرضت عليهما اعادة تجديد تحالفهما، لكن بحلّة جديدة بعيداً من الاصطاف السياسي التقليدي بين 8 و14آذار وتشكيل جبهة معارضة بنّاءة لحكومة الرئيس حسان دياب”؟
اوساط في “تيار المستقبل” وضعت عبر “المركزية” “الاجتماع المشترك مع قيادة الحزب الاشتراكي في خانة التنسيق انطلاقاً من العلاقة التاريخية التي تجمعهما منذ ايام الرئيس الشهيد رفيق الحريري والمستمرة اليوم بين الرئيس الحريري وجنبلاط”. وحرصت على التأكيد “أن العلاقة بين بيت الوسط والمختارة تاريخية وليست مرحلية ولو انها مرّت بمراحل من الفتور على اعتاب استحقاقات متعددة. وعلى رغم التباين في وجهات النظر تجاه قضايا عدة، الا ان التواصل بين القيادتين لم ينقطع وهناك حرص مشترك على تنظيم اي خلاف بينهما وعدم تجاوزه حدود العلاقة التاريخية”.
واكدت اوساط التيار الازرق “ان لقاء قيادة الحزبين مقدّمة للقاءات واجتماعات لاحقة ستشمل القطاعات والمنسقيات كافة وفي معظم المناطق من اجل تعزيز قنوات التواصل، لاسيما في هذه المرحلة التي احوج ما نكون فيها الى شدّ اواصر العلاقات بين الحلفاء، كما سيتم تشكيل لجان مشتركة لتنسيق العمل في قطاعات عدة”.
ورفضت الاوساط اعتبار ما جرى خطوة أولى لتشكيل جبهة سياسية قد تتوسّع لاحقاً فتكون نسخة شبيهة بتحالف 14 آذار ولو ان ما فرّقته بعض القضايا الداخلية قد تجمعه معارضة الحكومة الحالية”، مشددةً على “ان الاجتماعات اللاحقة كفيلة بتحديد مسار الامور تبعاً لتطور الاوضاع، لاسيما على جبهة الحكومة”.
وفي مقابل تعزيز قنوات التواصل بين “المستقبل” و”الاشتراكي”، شبه انقطاع على ضفة المستقبل والقوات عزّزه الفراق الحكومي اخيراً بعد رفض تكتل “الجمهورية القوية” تسمية الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة.
ولم تستبعد اوساط تيار المستقبل ان يُشكّل احتفال ذكرى 14 شباط الذي يُنظّمه “المستقبل في واجهة بيروت البحرية الجمعة المقبل مناسبة لاعادة ترتيب العلاقة بين الطرفين وقد وُجهت دعوة الى رئيس “القوات” سمير جعجع للحضور، خصوصاً ان كلمة الرئيس الحريري ستكون اساسية لجهة ترسيخ العلاقات بين الحلفاء وتوطيدها للمرحلة المقبلة التي تتطلّب رصّ الصفوف وتوحيد الرؤى”.