يخضع المشهد الإقليمي لعملية إعادة ترتيب للأوراق بعد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني. هذا ما يمكن استخلاصه من التحليلات التي تتناول مستقبل المنطقة بعد لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره السوري بشار الأسد من جهة، واجتماعه بنظيره التركي رجب طيب أردوغان؛ بل يتوقع الخبراء أنّ يترتّب عن هذيْن الاجتماعيْن المتعاقبيْن تأثيرات مباشرة على الساحتيْن السورية والليبية بشكل خاص.
في تقرير حمل عنوان “بوتين يتحرّك لتعزير دور روسيا بعد مقتل سليماني”، اعتبرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أنّ روسيا سعت منذ تدخلها المحوري في الحرب السورية في العام 2015 إلى تنصيب نفسها كلاعب أساسي في الشرق الأوسط، حيث سعت إلى تثبيت نفسها كوسيط نادر تربطه علاقات طيبة بجميع القوى المتناحرة في المنطقة. ورأت المجلة أنّ موسكو أمام فرصة جديدة اليوم لتعزيز هذه السمعة، متوقعة أن يعمل بوتين على تدعيم موقع بلاده في الشرق الأوسط بعد اغتيال سليماني.
المجلة التي قالت إنّ بوتين يعمل على تحقيق هدفيْن، يقضي الأول بتقويض مصداقية الولايات المتحدة، والثاني فبتوسيع الوجود الروسي في الشرق الأوسط، نقلت عن الباحثة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، آنا بورشفسكايا، قولها: “آخر أمر يودّ بوتين فعله هو اضطراره إلى الاصطفاف إلى جانب جهة معينة في الشرق الأوسط“. وقالت بورشفسكايا: “إذا قرر الروس القيام بأمر بارز، فسيكون على المستوى الديبلوماسي”.
وتابعت المجلة مرجحة أن يختبر اغتيال سيلماني قدرة موسكو على أن تكون صديقة مع جميع اللاعبين الأساسيين في المنطقة، فعلى الرغم من العلاقات الروسية-الإيرانية الوثيقة، عملت موسكو بالتوازي على بناء علاقات وطيدة مع الكيان الإسرائيلي والسعودية، إلى جانب لاعبين آخرين في المنطقة.
وفيما لفتت المجلة إلى عدم تسجيل إصابات في صفوف الجنود الأميركيين، حذّرت من حصول التفاتة تجاه موسكو من أجل “وساطة مستقبلية”، إذا ما خلص حلفاء الولايات المتحدة إلى أنّ واشنطن “تركتهم عرضة للانتقام الإيراني”.
من جهته، رأى الخبير في الشؤون الروسية-الإيرانية، أدلان مارغوييف، أنّ أكثر ما يهم الكرملين اليوم يتمثّل بتفادي تصعيد من شأنه أن يقلب الوضع الجيوسياسي الراهن الذي ساعد التدخل الروسي في سوريا على تكريسه من جهة، والحفاظ على المسار الذي شقّه بوتين من أجل تحقيق المصالح الروسية في المنطقة من جهة ثانية.
بدوره، حذّر المحلّل الروسي في “موسكو تايمز“، ديمتري فرولوفسكي، من أنّ هذا العام قد يضع الدور الروسي في سوريا أمام تحديات جديدة، حيث أكّد أنّ التنافس مع إيران قد يصبح أكثر وضوحاً.
وفي تحليله، اعتبر فرولوفسكي أنّ التهديدات بشن عملية عسكرية في إدلب، والمسائل المعلّقة بشأن اللاجئين والمواجهة المتوسعة في ليبيا قد تقدّم لمنعطفات جديدة في العلاقات الروسية-التركية، مستبعداً أن تؤثّر في “البراغماتية البحتة” الكامنة في صلب العلاقات بين البلديْن.
وكتب فرولوفسكي قائلاً إنّ موسكو تعطي أولوية كبيرة لـ”معقلها العسكري الاستراتيجي” في اللاذقية، كاشفاً عن ازدياد القلق الروسي بشأن التنافس مع طهران، على الرغم من النفوذ الكبير الذي تمارسه روسيا على دمشق.
وفي هذا الصدد، تحدّث المحلل عن حصول إيران على حق إدارة محطة الحاويات لمرفأ اللاذقية، وخططها لبناء محطة لتوليد الكهرباء بقيمة 460 مليون دولار وتوقيعها عدداً من العقود المربحة.
على مستوى اغتيال سليماني، ألمح فرولوفسكي إلى أنّ هذه العملية قد تدفع طهران إلى “إعادة تنشيط” وجودها في المنطقة، مستدركاً بالقول إنّ هذا الوضع لن يكون جيداً بالنسبة إلى طموحات موسكو الإقليمية.
ورأى فرولوفسكي أنّه سيتعين على روسيا الاختيار في نهاية المطاف بين الدفع باتجاه حصول تغيير سياسي أو البقاء بعيدة من المشهد السياسي السوري الداخلي الفوضوي.
على صعيد دعوة بوتين وأردوغان إلى وقف إطلاق النار في ليبيا، اعتبر المحلل المتخصص بالشؤون الروسية-التركية، كريم هاس، في حديث لموقع “المونيتور”، أنّه سيتيح للجانبين كسب الوقت، مستبعداً استجابة روسيا للدعوات إلى سحب دعمها لقائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، نظراً إلى أنّ الوضع يصب في صالحه حالياً.
وعن إمكانية حصول اتفاقية شبيهة بمسار استانة، استبعد هاس التوصل إلى اتفاقية مشابهة، معللاً بوجود عدد أكبر من اللاعبين في ليبيا وبكبر حجم “كعكة الطاقة” في ليبيا.
“لبنان 24” – FP – Moscow Times – Al-Monitor