أعلنت الجزائر حزمة قرارات لصالح فلسطين خلال استقبالها الرئيس محمود عباس، في سياق يتسم بتصعيد إسرائيلي خطير يستهدف تصفية القضية الفلسطينية وإيجاد موطئ قدم في منطقة المغرب العربي وشمالي إفريقيا.
فعقب استقباله عباس في الجزائر العاصمة، كشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عن اعتزام بلاده استضافة مؤتمر “جامع” للفصائل الفلسطينية “قريبا”.
وأضاف تبون، خلال مؤتمر صحفي في 7 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أن هذه الخطوة جاءت بعد أخذ رأي الرئيس عباس.
ومنذ صيف 2007، تعاني الساحة الفلسطينية من انقسام سياسي وجغرافي، حيث تسيطر حركة “حماس” على قطاع غزة، بينما تُدار الضفة الغربية من جانب حكومة شكلتها حركة “فتح” بزعامة عباس.
وكشف تبون أيضا أن بلاده قررت منح شيك بـ 100 مليون دولار لدولة فلسطين، من دون توضيح طبيعة هذه المساعدة أو إن كانت خارج المساهمة السنوية في دعم السلطة الفلسطينية أم لا.
كما أعلن تخصيص 300 منحة دراسية في الجامعات الجزائرية لطلاب فلسطينيين.
** حفاوة جزائرية
قرارات تبون جاءت في ظل “استقبال تاريخي” خّص به نظيره الفلسطيني، إذ أطلقت قوات الجيش 21 طلقة مدفعية ترحيبا بوصوله.
وجرى استدعاء جميع أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد في الجزائر لتحية عباس في القاعة الشرفية للمطار الدولي لدى وصوله.
كما تأتي قرارات تبون في سياق متوتر للغاية في المنطقة المغاربية، في ظل تكثيف لاتفاقيات تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمغرب (جار الجزائر) منذ ديسمبر/ كانون الأول 2020.
وتعتقد الجزائر أنها “المستهدفة” و”المقصودة” من التغلغل الإسرائيلي في منطقة “ظلت إلى وقت قريب عصية ومحرمة عليه”، بحسب افتتاحية مجلة الجيش، لسان حال المؤسسة العسكري، في عددها لشهر ديسمبر.
وفي مقابلة مع صحيفة “القدس العربي”، أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة: “أصبحت الجزائر تشعر الآن أنها دولة في مواجهة مع الكيان الصهيوني الذي كنا نرسل قواتنا لقتاله مع الأشقاء العرب، بعد أن أصبح على حدودنا ويوقع اتفاقات عسكرية وأمنية واستخباراتية مع الجار والأخ والصديق”.
وتابع: “نرى أن السلام المعقول على الأقل يجب أن يستند إلى مبادرة السلام العربية ومبدأ الأرض مقابل السلام، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية”.
وهذه المبادرة أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002، وتنص على اعتراف الدول العربية بإسرائيل مقابل انسحاب الأخيرة من الأراضي المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين. ولكن رفضت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هذه المبادرة.
وجاءت زيارة عباس وقرارات تبون قبل حوالي ثلاثة أشهر عن القمة العربية التي ستحتضنها الجزائر في مارس/آذار المقبل، وشدد تبون على أن بلاده تتطلع إلى تجديد وتأكيد الدعم العربي للقضية الفلسطينية خلال هذه القمة.
وفي 2020، وقّعت أربع دول عربية، هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لتنضم إلى مصر والأردن، المرتبطين بمعاهدتي سلام مع تل أبيب منذ عامي 1979 و1994 على الترتيب، وذلك من أصل 22 دولة عربية.
وأثار تسارع التطبيع الرسمي العربي، العام الماضي، غضبا شعبيا عربيا في ظل استمرار احتلال إسرائيل أراضٍ في أكثر من دولة عربية ورفضها قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو/ حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
** حدث غير عادي
بالنسبة للمنسق العام للهيئة الشعبية الجزائرية للتضامن مع فلسطين (غير حكومية)، محمد الطاهر ديلمي، فإن زيارة عباس للجزائر “لم تكن حدثا عاديا نظرا للظروف والمتغيرات التي تعيشها القضية الفلسطينية تحديدا والمنطقة العربية والشرق الأوسط إجمالا”.
وأضاف “ديلمي” للأناضول: “كانت زيارة مليئة بالدلالات الرمزية، فقد كُرم عباس بصفته صديقا للثورة الجزائرية، وعند مغادرته ارتدي البرنوس (لباس جزائري تقليدي) الذي يرمز للأصالة والرجولة”.
وأردف: “هذه هي الجزائر الثابتة دوما في مواقفها ومبادئها تجاه فلسطين وقضايا الأمة. ففي الوقت الذي تُفتح فيه القصور لوزراء الكيان الصهيوني (إسرائيل) وتقام لهم الأعراس، تفتح الجزائر قلبها لفلسطين”.
وعن دعوة الجزائر الفصائل الفلسطينية إلى مؤتمر جامع “قريبا”، اعتبر “ديلمي” أن هذه “الدعوة تؤكد أن الجزائر لا تدعم القضية الفلسطينية فحسب، وإنما أيضا حريصة على وحدة الصف والموقف الفلسطيني”.
وأشادت حركة “حماس” في بيان، باعتزام الجزائر استضافة مؤتمر للفصائل الفلسطينية، قائلةً إنها تُقدّر عاليا “الموقف التاريخي للجزائر، حكومة وشعبا، في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وحقّه في المقاومة والتحرير”.
** تاريخ جديد
أما الخبير في الشأن الفلسطيني صالح الشقباوي، فقال للأناضول إن “قرارات الرئيس تبون تعطي الأمل بأن تاريخا جديدا يُكتب للأمة الفلسطينية والتي سترفع رأسها بفضل الجزائر”.
وبرر الشقباوي هذه القراءة بالإشارة إلى “التحولات العميقة التي طرأت على العلاقة بين دول عربية وإسلامية والاحتلال الإسرائيلي، فمن الصراع إلى التطبيع والتعاون الأمني وفتح الكنائس اليهودية أمام وزير الحرب الإسرائيلي (بيني غانتس) والصلاة للجنود الإسرائيليين الذين يقتلون أطفال ونساء وشيوخ فلسطين”.
وتابع: “أمام هذه المشاهد الحالكة، أكدت الجزائر أنها بخير، وأن كل محاولات تحجيم دورها وتقزيمه وإبعادها عن الملف الفلسطيني قد فشلت، وأثبت أنها دولة تاريخ وقادرة على استنهاض مقدرات الأمة للوقوف في وجه المشروع الصهيوني الذي يعبث بمكونات وتاريخ فلسطين”.
وأردف الشقباوي، وهو فلسطيني مقيم بالجزائر ويدرس الحقوق في جامعة بومرداس، أن المؤتمر الجامع للفصائل الفلسطينية والمرتقب انعقاده في الجزائر “فرض عين وفرض كفاية على كل فلسطيني”.
وشدد على أهمية انعقاد هذا المؤتمر لوضع حد للانقسام في الداخل الفلسطيني.