كارثة جديدة حلت على لبنان فجر الأحد، حيث استفاق المواطنون عموماً وأهل عكار خصوصاً على فاجعة انفجار خزان وقود في بلدة التليل الشمالية، راح ضحيته 28 شخصاً وأصيب 79 آخرون.
وأتى هذا الانفجار بعد أيام “حافلة” بالإشكالات والحوادث المتنقلة أمام محطات المحروقات في مناطق متعددة من أجل الحصول على بضعة ليترات من الوقود قبل أن يُباشر الجيش والقوى الأمنية بمداهمة مستودعات تٌخزن فيها المحروقات، وتوزيع المواد المصادرة مجاناً على الناس وإجبار المحطات على فتح أبوابها.
مداهمة خزانات في التليل
وبحسب روايات عدد من أهالي التليل، داهم الجيش فجر الأحد خزانات بنزين في البلدة بمنطقة عكار، يعود قسم منها لرجل الأعمال علي عباس (الصبحي) ابن بلدة وادي خالد المعروف بأنه من كبار مهربي المحروقات إلى سوريا. وكان قد اشتراها منذ قرابة الأربعة أشهر قبل أن يتم توقيفه بتهمة التهريب. أما القسم الآخر، فيعود لصاحب الأرض الموجودة فيها الخزانات، وهو التاجر جورج رشيد ابن بلدة التليل.
كما أضافوا أنه بعد مداهمة الجيش، أتى عدد من المواطنين وبعض النازحين السوريين من مناطق وقرى مجاورة للحصول على البنزين غير المتوفر في المنطقة منذ أشهر. وباشر الجيش توزيع 3 آلاف ليتر من الكميات المصادرة دون أي مقابل.
رصاصة وسيجارة
غير أن قرار توزيع جزء من الكميات المصادرة على الناس مجاناً يبدو أنه لم يرق لصاحب الأرض الموجودة فيها الخزانات.
فبحسب روايات عدد من الأهالي، أقدم نجل التاجر جورج رشيد على إطلاق رصاصة واحدة باتجاه أحد خزانات البنزين، ما أدى إلى تسرب البنزين منها. ويبدو أن أحد الموجودين في المكان كان يُشعل سيجارة من دون أن يعرف أن البنزين يتسرب، وذلك بسبب اشتداد الظلام، فحصل ما حصل.
تهريب إلى سوريا
ووفق أحد الذين تولوا منصباً بالشأن العام في عكار، فإن جورج رشيد مالك العقار، الذي وجدت فيه خزانات البنزين، مهرب “قديم” راكم ثروته بالتجارة، ولديه سجل طويل بتهريب المحروقات والحديد وأنواع أخرى من السلع من لبنان إلى سوريا.
أما عن الجهة السياسية التي تغطيه، فلفت لـ”العربية.نت” إلى أن “لدى جورج رشيد علاقات تربطه بنواب محسوبين على جهات سياسية عدة. فالمهرب لا هوية سياسية محددة لديه. فأين تكون مصلحته يكون”.
تحقيقات واعتقالات
من جهته، أوضح محافظ عكار عكاد اللبكي لـ”العربية.نت” أن “التحقيقات متواصلة لمعرفة حقيقة ما حصل فجر الأحد في بلدة التليل”، كاشفاً أن “الجيش أوقف عدداً من أصحاب الأرض التي توجد فيها خزانات البنزين، منهم جورج رشيد وشقيقه”.
إلى ذلك أشار اللبكي إلى “سقوط 28 قتيلاً حتى الآن و79 جريحاً، بينهم 5 في حالة خطرة جداً، تم نقلهم إلى مستشفى الجعيتاوي في بيروت التي لديها قسم لمعالجة الحروق”. وتحدث عن اتصالات لنقل عدد من الجرحى إلى خارج لبنان من أجل تلقي العلاج اللازم.
3 مفقودين
من جانبه، صرح رئيس بلدية التليل جوزف منصور لـ”العربية.نت” أن “التحقيقات التي تُجريها الجهات المعنية مستمرة، وأنا سلمت ابن صاحب الأرض جورج رشيد لمخابرات الجيش، علماً أن رواية أنه أطلق رصاصة على خزانات الوقود غير صحيحة”.
وقال منصور إن “ثلاثة أشخاص لا يزالون في عداد المفقودين، وعمليات البحث عنهم مستمرة”. وأكد تعاونه مع التحقيق قائلاً: “نحن بتصرف القوى الأمنية في التحقيقات التي تُجريها”.
من عكار والهرمل إلى سوريا!
ومعروف أن حركة التهريب ناشطة على الحدود اللبنانية من محافظتي عكار شمالاً وبعلبك-الهرمل بقاعاً إلى سوريا يقابلها شح بالمواد الأساسية في هاتين المحافظتين، حيث يقف الأهالي والسكان في طوابير أمام محطات المحروقات والأفران بسبب عدم توفر الوقود في وقت يهرب إلى سوريا ويُباع بأسعار خيالية.
وفي إطار مكافحتها لمحاولات التهريب المستمرة من لبنان إلى سوريا، عمدت وحدات الجيش بحسب ما جاء في بيانات عدة عبر موقعها الرسمي، إلى توقيف عشرات الأشخاص وآليات وسيارات ودراجات نارية تُهرّب فيها محروقات وطحين وأدوية إلى سوريا.
يذكر أن قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار كانت كشفت في مايو الماضي، عن مسار التحقيقات في عمليات تهريب المحروقات من الشمال إلى الداخل السوري بكميات تجارية كبيرة عبر خطوط تهريب عدة، منها خط وادي خالد، وخط يمر ببلدة بينو باتجاه عكار العتيقة ثم القموعة فالهرمل وبعدها إلى سوريا.
يشار إلى أن أغلب المهربين تابعون أو محسوبون على أصحاب السلطة الذين يؤمنون لهم الحماية. ورغم محاولات الجيش اللبناني ضبط الحدود وإقفال معابر غير شرعية تُستخدم للتهريب في محافظتي عكار والهرمل، غير أن التهريب قائم “وناشط” وبرعاية سياسية.
20 مليار دولار
ووفق التقديرات، تجاوزت قيمة البضائع المهربة إلى سوريا في السنوات الأخيرة 20 مليار دولار، حيث كان مصرف لبنان المركزي يدعم استيراد الطحين والمازوت والأدوية بنسبة 85% على السعر الرسمي لصرف الدولار 1507، ثم أخيراً على سعر 3900 ليرة.
وفي خطوة يُراد منها وقف التهريب بين لبنان وسوريا، أعلن مصرف لبنان المركزي منذ أيام وقف دعم المحروقات على سعر صرف 3900 وتوفير الدولارات لشرائها بحسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء، والذي يتخطى اليوم عتبة العشرين ألف ليرة، وذلك بهدف وقف تهريب المحروقات، حيث يُحقق المهرّبون والتجار أرباحاً خيالية من بيعها بسوريا.