أثار الفيلم الروائي الذي يحمل اسم “أميرة”، ويمثّل الأردن في ترشيحات جوائز “الأوسكار” لعام 2022، غضب ورفض فلسطينيين وأردنيين رأوا فيه إساءة للأسرى داخل السجون الإسرائيلية وأبنائهم.
ويُشكك الفيلم، بحسب مؤسسات معنية بشؤون الأسرى، في نسب أبناء الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، الذين تم إنجابهم عبر “نطف مهرّبة” لآبائهم، الأمر الذي وصفه الفلسطينيون بـ”الخيال الهادف لتحقيق مكاسب فنية على حساب تضحيات الأسرى”.
ويسلط الفيلم الضوء على قصة فتاة اسمها “أميرة”، ولدت عبر نُطفة مهرّبة لوالدها، القابع في سجن “مجدو” الإسرائيلي، لتُفاجأ في فترة لاحقة أن هذه النُطفة تعود لضابط إسرائيلي مسؤول عن التهريب من داخل السجن، والذي قام باستبدال العينة قبل أن يتم تسليمها للعائلة.
واختارت الأردن، في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني، فيلم “أميرة”، للمخرج محمد دياب، كي يمثّلها رسميا في الدورة الـ94 لجوائز الأوسكار للتنافس عن فئة الأفلام الطويلة الدولية لسنة 2022؛ والتي سيتم الإعلان عن جوائزها في مارس/آذار العام المُقبل.
وتم تصوير “أميرة” بشكل كامل في الأردن، عام 2019 وهو من إنتاج مشترك بين الأردن ومصر وفلسطين.
**استياء مؤسساتي
واعتبرت مؤسسات معنية بحقوق الأسرى، أن أحداث الفيلم جاءت بطريقة “تتساوق بشكل مباشر مع رواية الاحتلال، بتجنٍّ كامل على الحقيقة”.
وقالت المؤسسات وهي “هيئة شؤون الأسرى والمحررين (رسمية)، ونادي الأسير الفلسطيني، والهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى”، في بيان مشترك نقلته وكالة “وفا” الرسمية، “إن قضية النطف المُحرّرة، شكّلت على مدار السنوات الماضية أبرز الإنجازات التي تمكّن من خلالها الأسرى كسرر جدار السجن، وصناعة الأمل بالإرادة، وأصبحت محط اهتمام عالمي”.
وأعربت المؤسسات عن أسفها “من إنتاج هذا الفيلم بهذه الطريقة”، مضيفة: “كان من الأجدر أن يسلط الضوء على إبداع وعبقرية الأسير الفلسطيني، وتحدي الجدران، والأسلاك الشائكة لصناعة الحياة”.
وتابعت: “في قضية الأسرى ما يكفي من تفاصيل لصناعة أهم الأفلام الناجحة، بدلًا من اختراع الأكاذيب”.
وعدّت المؤسسات “أي استمرار في التعاطي مع الفيلم أو الترويج له، خيانة لنضال الشعب”.
بدورها، أعربت لجنة الأسرى، التابعة لائتلاف القوى الوطنية والإسلامية في قطاع غزة، عن “استيائها الشديد من أحداث الفيلم”.
وقالت في بيان وصل “الأناضول”، إن الفيلم “لم يعبر عن الحالة والواقع الذي تعيشه الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، وقد سرح كاتب السناريو ومنتج الفيلم بخيالهم، لإخراجه على طريقتهم الخاصة، ولكن على حساب قضية الأسرى الفلسطينيين؛ ليكونوا ضحية تحت مقصلة الفن الجديد”.
وأضافت “هناك عدد من سفراء الحرية، الذين ولدوا بتهريب النطف رغما عن الاحتلال، وكبروا وانتسبوا إلى المدارس، وهم محرومون من زيارة ذويهم، كما أنهم منعوا من الحصول على الهوية، وهو ما يتعارض مع ما جاء في أحداث الفيلم”.
واعتبرت اللجنة ذلك “إساءة كبيرة لنضالات وتضحيات وإنجازات الأسرى الفلسطينيين خاصة وأن هناك فتوى شرعية تجيز للأسير الإنجاب عبر النطف المهربة بإشراف ومتابعة ذوي الأسير والمراكز الطبية المتخصصة في فحص D N A “.
وفي السياق، قالت وزارة الثقافة الفلسطينية (رام الله)، إن هذا الفيلم يمسّ بشكل واضح “قضية هامة من قضايا شعبنا ويضرب روايتنا الوطنية والنضالية، ويسيء بطريقةٍ لا لبس فيها إلى تاريخ ونضالات الحركة الأسيرة الفلسطينية”.
وأضاف عاطف أبو سيف، وزير الثقافة، في بيان نقلته وكالة “وفا”، “تم عقد اجتماع قبل أكثر من ثلاثة أسابيع حضرته مكونات الحركة الوطنية والأسيرة من أجل تداول الخطوات الواجب اتخاذها من أجل التصدي للتداعيات السلبية لهذا الفيلم”.
وأوضح أن الوزارة “خاطبت نظيرتها الأردنية بهذا الخصوص”، كما تواصلت مع “الهيئة المَلَكية للأفلام لتوضيح ما يشكله الفيلم من إساءة ومساس بقضية الأسرى”.
وحذَّر أبو سيف من تداول هذا الفيلم، قائلا “ستكون له انعكاسات خطيرة على قضية الأسرى، وبخاصة أنها تسيء لِأُسَرِهم بعدَ إنجابهم الأطفالَ من عملية تهريب النطف”.
وطالب أبو سيف “وزارة الثقافة في الأردن والجهات الرسمية هناك بالنظر إلى تداعيات نتائج هذا الفيلم المسيء”.
ودعا الفنانين إلى “الانتصار للقيم والمُثل الإنسانية العُليا، وإرادة الأسير وهو يتحدى كل سياسيات إدارة السجون بالإصرار على الحياة، عبر تهريب النطف”.
** فيلم يخدم الاحتلال
قال مكتب إعلام الأسرى (تديره حماس)، في قطاع غزة، إن فيلم “أميرة”، يعكس “مستوى من الهبوط الفكري، والتوظيف السيء للفن والإعلام، في التعامل مع قضية نطف الأسرى المهربة، وهو يخدم الاحتلال”.
ودعا المكتب، في بيان وصل “الأناضول”، إلى “إيقاف بث ونشر الفيلم، الذي يحمل أسلوب ورسالة تخدم الاحتلال”.
وطالب الأردن بـ”سحب ترشيحها للفيلم بالمنافسة على جائزة أوسكار، ومحاسبة كل من يقف خلف إنتاجه”.
وناشد الجهات الرقابية الرسمية بـ”عدم السماح بعرض الفيلم لما يحمله من إساءة وتشويه فيما يتعلق بنضالات الأسرى ومشروع سفراء الحرية”.
واستكمل قائلا:” يجب تكثيف الجهود والعمل على تعزيز مكانة أسرانا الأبطال بإنتاج أعمال تخدم قضاياهم العادلة وتُعري الاحتلال وأساليبه الإجرامية”.
**حملة الكترونية
وأطلق الفلسطينيون، مساء الثلاثاء، حملة الكترونية تطالب بسحب فيلم “أميرة”، الذي يُسيء لـلأسرى، وذلك عبر وسم “#اسحبوا_فيلم_أميرة”؛ شارك فيها فلسطينيون وأردنيون.
وقال الإعلامي الأردني ياسر أبو هلالة، في منشور على صفحته بموقع “فيس بوك”، “اسحبوا فيلم أميرة لأنه إساءة للأردن وفلسطين على السواء”.
وتابع:” كنت أحب لو تم إنتاج فيلم عن المفقودين الأردنيين من جنود وضباط الجيش العربي الذين لا أثر لهم، أو عن بطولاتهم في معارك باب الواد وغيرها، التطبيع الثقافي لا يقل خطورة عن التطبيع الاقتصادي، والتطبيع خيانة لدماء الشهداء”.
واستكمل قائلا:” يعني لو الموساد (الإسرائيلي) أنتج الفيلم ما يخرج بأسوأ من هكذا حبكة، (…) أرجح إنها حماقة للحاق بالشهرة والجوائز الدولية، لا عمالة، والنتيجة واحدة حماقة أم عمالة”.
بدوره، قال الصحفي والكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة، في تغريدة على موقع “تويتر”، “قضية تحمل روعة البطولة والإصرار من أحرارنا؛ والوفاء والصبر من حرائرنا، حولها مخرج تافه لمسخرة، حيث تكتشف الطفلة (أميرة) أنها ابنة ضابط صهيوني”.
وتابع:” هراء صار فيلما، والأسوأ أنه سيمثّل الأردن في مسابقة “الأوسكار”.
من جانبه، طالب الصحفي خير الدين الجابري، في تغريدة على موقع “تويتر”، بـ”محاسبة كل من شارك في إنتاج الفيلم”.
وقال:” أين الفن الأردني الذي كان يخدم القضية بأعمال رائدة تحاكي نضال الشعب الفلسطيني وتمجّد مقاومة المحتل، هذا الفيلم عمل مخز ومشين وبرعاية رسمية”.
وأما الفلسطيني رضا ياسين، فقد طالب، القائمين على الفيلم بـ”الاعتذار عن جهلهم، وسحب الفيلم فورا”.
وقال في تغريدة نشرها على “توتير”:” إن لم يتم سحب الفيلم، سيكون القائمون عليه مساهمين في تشويه (صورة) الأسرى الفلسطينيين بشكل متعمّد”.
الأناضول