*بقلم: الأستاذ الشيخ عبدالمنعم الرياحي / وندسور – كندا
1- سرني بالغ السرور أن يعلن في بلدنا وندزر عن ولادة المجلس الثقافي العربي، فقد وجهت في آخر مقال لي في جريدة الفرقان، دعوة إلى الناطقين باللغة العربية في بلدتنا، مسلمين ومسيحيين إلى إثراء الجريدة بمشاركاتهم تعبيراً عن مشاعرهم وتأكيداً لوجودهم. فصادفت الدعوة ما أعلن بالأمس عن إقامة المجلس. ولعل ذلك من توارد الخواطر الذي تكلم عنه علماء النفس. فمرحباً بالمجلس الثقافي العربي، وشكراً لمن أسهم بإقامته ولهم كل محبة وتقدير.
2- قرأنا في الكتب المدرسية عن العرب ، عرب عاربة وعرب مستعربة ، أما العرب العاربة فمنهم عرب بائدة هم أقوام عاد وثمود والعمالقة، ومنهم عرب باقية هم نسل قحطان وأبنائه يعرب وجرهم ولؤي، وأما العرب المستعربة فهم نسل اسماعيل وأبنائه عدنان ونزار ومعد، وقرأنا في كتب التربية الإسلامية قول الرسول العربي محمد ص 🙁 ليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، إنما هي اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي)، فكان قوله هو الفصل في شأن العرب والعربية ، فمن جعل اللغة العربية عمدته في قوله وقراءته وكتابته وثقافته فهو العربي، بصرف النظر عن نسبه، لأن كثيراً من المنتسبين إلى العرب تحولوا إلى لغات أجنبية وقطعوا صلتهم بالعربية فلم يعد لهم وجود في أمة العرب، ومن أبطأ به عمله لم يسبق به نسبه. ثم إن اللغة كما يقرر علماء المجتمع هي أهم عنصر في تكوين الأمة. لذلك فإن الدول تشترط فيمن يتقدم لطلب جنسيتها أن يتقن لغتها.
3- واللغة العربية فضلاً على أنها لغة القرآن الكريم والحديث الشريف والثقافة الإسلامية، فإن لها مزايا تختص بها وتمتاز عن سائر اللغات. منها (الاشتقاق) وهو توليد كلمات جديدة بمعاني جديدة بأوزان معينة. فكلمة كتب (فعل) مثلا تولد منها كلمة كتاب (فعال)وكلمة مكتبة (مفعلة) تغني عن كلمات باللغة الإنجليزية مثل( write,book,library ). ومنها الحركات (الضمة والفتحة والكسرة) ، تتولد بسببها من الكلمة الواحدة معاني تغني عن كلمات كما في كلمة (حجة) فهي بضم الحاء بمعنى البرهان ، وبفتحها بمعنى الحج إلى البيت الحرام ، وبكسرها بمعنى السنة. ومنها (الترادف) وهو اشتراك عدد من الكلمات في معنى واحد و(التضاد) وهو اختلاف عدد من الكلمات في المعنى وذلك مع الدلالة على درجات ومستويات هذا المعنى كما هو الحال في كلمات (مرتفع، عالي، شاهق) وكلمات (منخفض، عميق، سحيق) وكثير من المزايا التي لا يتسع المقال لبيانها، قلما توجد في غير اللغة العربية.
4- نحن اليوم في وندزر وفي كندا عرب مستعربون بصرف النظر عن أصولنا العرقية والمذهبية التي تبقى في حدود الأسرة والطائفة، تجمعنا اللغة العربيّة وهي اللغة السادسة التي اعتمدتها منظمة الأمم المتحدة بناء على عدد الناطقين بها، لا بحسب قيمتها اللغوية التي تجعلها في طليعة اللغات. فمن حقها علينا أن نعرف لها قدرها، وأن نعتمدها في كلامنا وقراءتنا وكتابتنا، وأن نورثها لأبنائنا وبناتنا لتكون لنا لغة ثانية، نحرص عليها كما نحرص على لغتنا الرسمية لغة الدولة التي نعيش فيها ونحمل جنسيتها، ونتواصل بها مع الكنديين جميعاً في هذا الوطن المحبوب.
5- حافظ إبراهيم شاعر النيل عرف للعربية قدرها، وحذر الأمة من إهمالها وضياعها، فأشاد بها في قصيدة بعنوان (العربية تتحدث عن نفسها) تقول :
رجعت لنفسي فأتهمت حصاتي
وناديت قومي فاحتسبت حياتي
رموني بعقم في الشباب وليتني
عقمت فلم أجزع لقول عداة
وسعت كتاب الله لفظاً وغاية
وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتنسيق أسماء ومخترعات
أيهجرني قومي عفا الله عنهم
إلى لغة لم تتصل برواة
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟