ثلاثة أسئلة يجب طرحها قبل لقاء أردوغان ـ بوتين المزمع في موسكو يوم غد، الخامس من مارس ـ آذار الجاري، الأول: على ماذا يراهن كلا الرّجلين لإنجاح المهمة، والسؤال الثاني: ما هي المهمة وما هو المطلوب أساساً من هذه القمة، والثالث: ماذا لو انفجر الموقف.
ليس هناك ما يراهن عليه الرئيس الروسي لإقناع نظيره التركي، فموسكو لم تأخذ بعين الاعتبار مخاوف تركيا الأمنية، بل يشعر الأتراك بالخديعة حيال سياسية النفس الطويل التي استخدمها الروس لقضم الأرض دون اعتبار لما قدمته تركيا دفعة على الحساب بالمساهمة في سحب البساط من تحت خيار الحلّ الدولي في الأمم المتحدة لمصلحة مسار “أستانة”، وصولا إلى اتفاق “سوتشي” الذي يفترض أن يحافظ على مصالح الأتراك الّذين اكتشفوا أنهم أطلقوا النار على أرجلهم بإضعلف المعارضة والتحالف مع الروس.
وليس ثمة ما يمكن أن يراهن عليه أردوغان في إقناع بوتين فقد تباعدت الخطى رغم الثلاثين مليار دولار من التجارة المتبادلة، فالعملية العسكرية الروسية في إدلب ومقتل عشرات الجنود الأتراك فتحت الباب لعودة الحلف القديم مع الأميركي الذي ينتظر عند الباب، وها هو يدخل إلى الأرض عبر الثلاثي الأميركي المبعوث جيمس جيفري، والسفير في أنقرة ديفيد ساترفيلد والمندوبة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت، وزد على ذلك البريطانيين.
فتحت أنقرة للدول الغربية الباب الذي أغلقه الروس على قمة رباعية تضم إضافة للرئيسين التركي والروسي كلا من الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية.
ومع أن كل مروحة التحركات الغربية لا يمكن تفسيرها دعما حتى اليوم باستثناء الموقف الصريح لواشنطن، إلا أن موقف الأخيرة يكفي لفهم طبيعة المعركة المطلوبة، إذ تتقاطع مصالح الأتراك في خاصرتهم الأمنية الرخوة إدلب والمتصلة بجبال الأمانوس مع رغبة أمريكية عارمة بخلق “ستاتيكو” سيكلف الروس كثيراً كلما طال الوقت.
الثلاثي الأمريكي الذي دخل إدلب لأمتار رمى الرسالة بوجه الروس، وليس أمام أردوغان الكثير من الوقت وليس لديه المزيد من الصبر لهذه اللعبة، لذلك فإن ترجمة الوعود بالإمداد العسكري يجب أن لا يطول بها الزمن حسب المفترض، وليس مهما إذا خان الأميريكيون أردوغان وتراجعوا عن وعودهم بـ “باتريوت”، فالطائرة المسيرة “بيرقدار TB2” كافية حتى الآن في إطار معركة ضيقة نقطة الارتكاز فيها هي “سراقب” كمفترق على M4-M5، والخطر الذي تشعر به تركيا مرتبط بإمكانية استهداف العمق التركي بسلاح صاروخي باليستي متطور، وهذا ما تستطيع فعله روسيا وإيران وليس نظام الأسد.
إذا كانت مهمة قمة أردوغان ـ بوتين هي وقف التصعيد، فليس الأمر ممكنا إلا على المدى القصير، وكل المعطيات تشير إلى أن المعركة بعد القمة ستكون أقسى.
وإذا انفجر الموقف لاحقا فليس هناك من خيارات تصعيد لأكثر من إدلب والأرياف القريبة في حلب وحماة واللاذقية، أما الارتدادات ستكون بتغيير سياسي شامل ربما يطيح بالأسد مع انحسار دور الوكلاء واحتكاك الأصلاء وصولا لصدام صريح ولو كان محدودا.
“تسير الأقدام حيثما يسير الرأس” حسب المثل التركي، وفي قراءة تحليلية لنوع الخطاب في الساحة التركية، يبدو أن الرأس التركي لن يتنازل في هذه المعركة، ويتضح هذا التوجه ليس على مستوى الإعلام فقط، بل على مستوى رسائل الأحزاب بدءا من العدالة والتنمية، وصولا إلى الأحزاب القومية وتلك اليسارية والمعارضة، وهذا نادرا ما يحصل في تركيا.
هل يتنازل بوتين، وهل يقرأ الرسالة بالشكل الصحيح، ربما ـ بل على الأغلب ـ لا، ويرجع هذا لمخاوف تتعلق بهيبة الدولة الروسية في فترة حرجة على المستوى الداخلي بالنسبة لبوتين ونظامه السياسي.
يقول التاريخ إن الروس والعثمانيين الأتراك تواجهوا أكثر من اثنتي عشرة مرة خلال نحو ثلاثمئة عام بدءا من 1568، وهذا مؤشر على تاريخ من الصراع أكثر منه تاريخا للتحالف، وليس في هذا دلالة على إمكانية اشتعال حرب كلاسيكية، لكنها بالطبع حرب ربما لا تخرج كما أسلفت عن “سراقب” ومحيطها، لكنها تحمل أثار الحرب الكبرى بين الامبراطوريات إذ تترتب عليها اصطفافات دولية ذات أثر في مجرى التاريخ.
علي عيد – زمان الوصل