مجدّدًا، عادت المناخات الإيجابية لتهيمن على الساحة السياسيّة، بعد “جمود” استمرّ عدّة أيام، مالت معه الأجواء نحو التشاؤم والسلبيّة، في ظلّ مواعيد ضُرِبت لـ”اعتذار” الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، رغم تأكيده صراحةً أنّ مثل هذا الأمر ليس “على أجندته” في الوقت الحاليّ، وإن لم يستبعده بالمُطلَق.
تزامنت الإيجابية مع ما حُكي عن مساع وُصِفها البعض بـ”الأخيرة” لحلحلة الخلافات والعقد التي لا تزال تحول دون تأليف الحكومة، والتي جمّدت الاتصالات بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف عند اللقاء الثالث عشر الذي عُقِد بينهما الأسبوع الماضي، من دون رصد أي تواصل مباشر في أعقابه.
لكنّ هذه الإيجابية لا تزال تصطدم بالكثير من الحواجز، بينها ما وصفها البعض بـ”القطيعة” بين الرئيسين عون وميقاتي، في حين اعتبر البعض أنّ عدم حصول لقاء بينهما لا يُعَدّ مؤشّرًا سلبيًا بالضرورة، لأنّ “اللقاء من أجل اللقاء” ليس المطلوب، ولأنّ الغاية أن يكون الاجتماع المقبل بينهما مثمرًا ومنتجًا، بل حاسمًا، وهنا بيت القصيد بطبيعة الحال.
في الحديث عن الإيجابية، ثمّة من يتوقف عند بعض المواقف التي صدرت في الأيام القليلة الماضية، والتي قد تكون “مبشّرة” بأنّ الأمور غير مقفلة، بل مفتوحة، والتي كان الرئيس ميقاتي المُبادِر إليها، حين سحب ورقة “الاعتذار” من بساط البحث، في ذروة التهويل بها، للتأكيد أنّ الأساس يبقى بالنسبة إليه هو إنجاز المهمّة التي كُلّف على أساسها، وليس الذهاب إلى خيارات من شأنها “تعقيد” الأمور أكثر ممّا هي “معقَّدة”.
بعده، جاء موقف “الثنائيّ الشيعي” دافعًا نحو الإيجابية، فرئيس مجلس النواب نبيه بري أصرّ في كلمته في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر على وجوب إنجاز التأليف هذا الأسبوع، وذهب لحدّ تحديد أولوياتها، وقبلها لفت كلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله عن وجوب الكفّ عن التفكير بتوزيع الحقائب والحصص الأنظار، وقد فُسّر على أنّه رسالة “ضمنية” إلى الحليف “العونيّ” قبل غيره.
ولعلّ الموقف الأكثر وضوحًا في هذا الإطار صدر عن رئيس الجمهورية ميشال عون نفسه بالأمس، حين أعلن خلال استقباله وفدًا من مجلس الشيوخ الأميركي، أنّ عملية تشكيل الحكومة الجديدة “قطعت شوطًا كبيرًا والكثير من العقبات قد ذُلِّلت”. ومع أنّها ليست المرّة الأولى التي يتعمّد فيها عون إطلاق مثل هذا الموقف، فإنّه فُسّر في الكثير من الأوساط السياسية انفتاحًا على الحلّ، لأنّ الأمور لم تعد تحتمل المماطلة والمراوحة.
العبرة في الخواتيم
صحيح أنّ التجربة أثبتت أنّ التعويل على المواقف لا يجدي، خصوصًا أنّ “الحكي ما عليه جمرك”، وأنّ الكثير من الإيجابيات التي تمّ تعميمها على امتداد عام كامل كانت “وهمية ومصطنعة”، وهدفت بشكل أساسيّ إلى إلهاء الرأي العام، إلا أنّ هناك الكثير من الأسباب والظروف الموضوعيّة، التي تدفع إلى الاعتقاد إلى أنّ الأمر قد يكون مختلفًا اليوم، خصوصًا مع إدراك الجميع أنّ كل يوم تأخير يجعل الأمور أكثر تعقيدًا.
لذلك، وحتى لو كانت الكثير من المصادر “تتقاطع” على أنّ العديد من العقد لا تزال موجودة، فإنّ هناك شبه إجماع على وجود “إرادة” بحسم الأمور في أقرب وقت ممكن، علمًا أنّ المهل باتت تضيق فعلاً، وهناك من يروّج لفكرة أنّ تشكيل الحكومة قد لا يستحقّ العناء، بعد أيام قليلة، بالنظر إلى “ضيق” المهل، ومع بدء العدّ العكسي للانتخابات النيابية المفترضة في ربيع 2022.
ولأنّ “العبرة تبقى في الخواتيم”، تتّجه كلّ الأنظار إلى اللقاء المقبل بين الرئيسين عون وميقاتي، والذي يعتقد كثيرون أنّه سيكون حاسمًا ومفصليًا هذه المرّة، خصوصًا أنّ الرئيس ميقاتي كان حازمًا في إطلالته الأخيرة، حين صارح الرأي العام بالحقائق كما هي، وهو توقف عن عادة اللقاءات اليومية في بعبدا، لأنّه يريد أن يحمل في المرّة المقبلة معه “بشرى” للبنانيين، تتجاوز حدود الكلام “المعسول” الذي لم يعد كافيًا.
ليست المرّة الأولى التي تهيمن الأجواء الإيجابيّة على الملفّ الحكوميّ، وليست المرّة الأولى التي يتشبّث فيها اللبنانيون بهذه الإيجابية علّها تحمل “الخلاص”، أو بداية “الفرج” بالحدّ الأدنى. لكنّ الأكيد أنّها يجب أن تكون المرّة الأخيرة، بحيث تفضي هذه المرّة إلى ولادة الحكومة، التي لم تعد تحتمل الانتظار، فهل تكون “ثابتة” هذه المرّة، أم أنّ العراقيل ستكون لها بالمرصاد مرّة أخرى؟!.