ما نشهده في وسط بيروت منذ ثلاثة أيام لا يختلف كثيرًا عن حرب المتاريس، التي شهدها هذا الوسط قبل سنوات غابرة، كنا نتمنى أن تبقى مجرد ذكرى، لا أكثر ولا أقل، ولكن يبدو أن ثمة من لا يريد أن تبقى هذه الحرب نائمة في سبات عميق، بل يحاول إيقاظها بشتى الطرق، على رغم أن الجميع يعرفون خطورة اللعب بالنار، وما يمكن أن تؤدي إليه من نتائج مدّمرة على كل الصعد، خصوصًا أن ثمة مؤشرات مقلقة تلقاها أكثر من مسؤول تحذّر من مخاطر ما يمكن أن ينتج عن ذلك من إنعكاسات سلبية على مجمل الوضع، مع العلم أن لبنان بدأ مسيرة الإنهيار الإقتصادي، وهذا الأمر يقود البعض إلى الإعتقاد أن ما يُخطط له يتجاوز بأهدافه إمكانية لجم التدهور بأدوات محلية.
كتب منير الربيع في “المدن”: تتقاذف القوى السياسية مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة. حكومة حسان دياب بصيغتها المطروحة هي عبارة كرة نار، يريد الجميع تجنبها، على الرغم من تمسكهم بها لأنها تحفظ مواقعهم ونفوذهم. لكن أحداً منهم لا يريد ان يأخذ تشكيلها بصدره، كي لا يتحمل وحده المسؤولية. وجميعهم في الوقت عينه يتقاذفون الاتهامات حول من يعرقل التشكيلة الحكومية. يتعرض اللبنانيون الى مسرحية كبيرة. وبمعزل عن خاتمتها، إذا ما تشكلت حكومة أم لا، فلن تتمكن من حلّ الأزمة القائمة والآخذة بالتعمّق.
ليس بأي ثمن
بعد مشهد السبت، كان رئيس الجمهورية ميشال عون مصراً على ضرورة تشكيل حكومة بأسرع وقت و”بأي ثمن”، لكن هذا الثمن لا يرقى إلى تنازل جبران باسيل عن الثلث المعطل. شدد عون صباح الأحد على أنه يريد تشكيل حكومة والانتهاء من هذه الأزمة. تحركت الاتصالات بين مكونات فريق 8 آذار، وجميعهم يعلم أن إنجاز التشكيلة الحكومية يرتبط بإشارة ولو بسيطة من الخارج، تفسح الطريق أمام ولادتها.
على هذا الأساس، طلب عون من حسان دياب الحضور إلى القصر الجمهوري، للبحث في السبل الممكنة لتشكيل الحكومة. تحرك دياب باتجاه عين التينة التي بدت مسهلة، بشرط حلّ مشكلة تيار المردة وعدم حصول باسيل على الثلث المعطل. قدم بري نصائحه الثابتة إلى دياب، بوجوب ضم مختلف المكونات التي سمته ليتكلف بتشكيل الحكومة. عند الخامسة حطّ دياب في القصر الجمهوري. اقترح عليه عون أن يتم توسيع الحكومة إلى 24 وزيراً، فرفض دياب الاقتراح، معتبراً أن هكذا حكومة ستفضح ما كانت المساعي تتركز لإخفائه حول التحاصص السياسي في التركيبة، ولأنها ستكون حكومة ثلاثة أثلاث، ولن يرضى عنها اللبنانيون ولا المجتمع الدولي.
اقتراحات مرفوضة
اقترح عون بعدها، رفع عدد الوزراء من 18 إلى 20، بحيث يتم تعيين وزير ثان للمردة، وأمل حداد بلا حقيبة، فتبقى الاقتصاد من حصة أيمن حداد المحسوب على الحزب السوري القومي الاجتماعي ويريده باسيل، مقابل بقاء أمل حداد بلا حقيبة، بشكل يرضي الفرع الآخر من الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يمثله أسعد حردان. هذا الطرح رفضه دياب أيضاً متمسكاً بمسودة اصطحبها معه إلى القصر مؤلفة من 18 وزيراً.
الأهم هنا، أن فرنجية رفض إرضاءه بوزيرين عبر رفع الحكومة إلى 20 وزيراً، لأن باسيل سيبقى ممسكاً بالثلث المعطل. وهذا ما يتفق عليه فرنجية مع برّي. عندها اتخذ رئيس تيار المردة خطوة أربكت القصر، عبر تسريبه الانسحاب من الحكومة وعدم المشاركة فيها. وهذا حتماً سيفرض على بري عدم المشاركة وحزب الله كذلك، خصوصاً أنه بحال عدم منح فرنجية الثقة لهذه الحكومة، فلن تنال الثقة في المجلس النيابي.
اللجوء إلى برّي
عندها سقطت كل الحلول. فعاد دياب وتحرّك باتجاه عين التينة ليلتقي برّي، ووضعه في أجواء لقائه. طبعاً، بري يرفض أيضاً حصول باسيل على الثلث المعطل. وقد وعد بإجراء اتصالات يوم الاثنين مع مختلف القوى، للبحث عن مخرج توافقي.
الأكيد أن ثمة قطبة سياسية مخفية، هي التي تحول دون التوافق على تشكيل الحكومة. وهي خاضعة لتبادل أدوار وخلاف على مراكز النفوذ فيها. بل وهي بانتظار إشارة ما من مكان ما خارجياً، تسمح بتشكيلها في لحظة معينة، قد تكون سريعة وقد تطول.