كشفت وسائل إعلام إسرائيلية -مساء أمس الأربعاء- عن تفاصيل مثيرة من يوميات الأسرى الستة الذين تمكنوا من الهروب من سجن جلبوع الإسرائيلي في السادس من سبتمبر/أيلول الماضي قبل أن يتم اعتقالهم بعد أسبوعين من الهروب.
وزعم جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” -الذي يتولى التحقيق مع أسرى “نفق الحرية”- أن اثنين من الأسرى الهاربين تقدما عبر شخص (لم يتم تسميته) بطلب إلى رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية لتوفير “اعتقال حماية” للأسيرين أيهم كممجي ونضال نفيعات، بيد أنه رفض قائلا “لا نريد تعقيدات وموت”، وهي الرواية التي لم يعلق عليها الجانب الفلسطيني حتى الآن.
ووفقا لملف تحقيق “الشاباك” -الذي نشر التلفزيون الإسرائيلي الرسمي “كان” مقتطفات منه مساء أمس الأربعاء- فإن الأسيرين كممجي ونفيعات تقدما بطلب لرئيس الوزراء الفلسطيني بحسب المزاعم الإسرائيلية، حيث نجحا بتجاوز جدار الفصل العنصري والوصول إلى مدينة جنين، رغم أن قوات الاحتلال رصدت تحركاتهما في المناطق المحاذية للحدود مع الضفة الغربية المحتلة.
ويأتي نشر التسريبات من تحقيقات “الشاباك” بعد 5 أسابيع من عملية الهروب من سجن “جلبوع” الذي يعتبر من أكثر السجون الإسرائيلية تحصينا وحراسة، حيث تمكن الأسرى الستة -زكريا زبيدي، ومحمد عارضة، ومحمود عارضة، ويعقوب قادري، ومناضل نفيعات، وأيهم كممجي- من انتزاع حريتهم عبر نفق حفروه على مدار عام تقريبا.
وكشفت التحقيقات أن الأسرى الستة نجحوا في أكثر من مناسبة في الاختباء من قوات الأمن الإسرائيلية خلال عمليات التفتيش والمطاردة، وذلك على الرغم من محاصرة قوات الاحتلال للمناطق التي اختفوا بها، حيث فشلوا في إلقاء القبض عليهم.
قادري: اختبأنا قرب قاعدة عسكرية
وبحسب التسريبات من ملف التحقيق فإن الأسير يعقوب قادري عقب هروبه نجح بالاختباء لمدة 24 ساعة قرب معسكر للجيش الإسرائيلي شمالي البلاد، حيث قال -في التحقيق- “تسلقت مع محمود العارضة -مخطط عملية حفر النفق والهروب من السجن- جبلا لمدة تزيد على ساعتين”.
وأضاف قادري في التحقيق “فجأة شاهدنا جدارا لمعسكر للجيش الإسرائيلي، وقررنا المكوث بالمكان لحين حلول الظلام، حيث افترضنا أن القوات الإسرائيلية لن تتوقع أن نختبئ قرب المعسكر. ولو أردنا لكان بإمكاننا إيذاء جندي”، وذلك وفق ادعاءات الشاباك بشأن الأقوال المنسوبة إلى عارضة.
وتابع قادري -في ملف التحقيق- “قمنا بحفر حفرة والاختباء فيها، وقمنا بتغطية أنفسنا بالأعشاب وأغصان الأشجار، وذلك في الموقع الذي تواجدنا به والذي لا يبعد سوى 5 أمتار عن الجدران الخارجية للمعسكر.
وتابع “خلال الاختباء كنا نشاهد الجنود يدخلون ويخرجون من المعسكر، لكن لم يتمكن أي من الجنود العثور علينا واكتشاف أمرنا”.
أضواء مآذن المساجد
ومضى قادري يقول -بحسب ما ورد في التحقيقات الإسرائيلية- “عند حلول الظلام خرجنا من الحفرة التي اختبأنا بها قرب المعسكر وشرعنا بالسير على الأقدام نحو إحدى القرى العربية القريبة من المكان، حيث لم نعرف أي بلدة كانت وجهتنا، لكن عرفنا أن الحديث يدور عن بلدة عربية من أضواء مآذن المساجد”.
وتابع قادري -في تسريب ملف التحقيق الذي نشره التلفزيون الإسرائيلي الرسمي- “للوهلة الأولى وعندما وصلنا إلى مشارف البلدة وأولى الأحياء السكنية، اعتقدنا أن الحديث يدور عن بلدة يهودية وذلك بسبب طبيعة العمران والمنازل، وقلنا “ليس من المعقول أن يسكن هذه المنازل عرب، إذ إن طبيعية البناء يوحي بأن سكان هذه المنازل من اليهود”.
واستطرد قائلا -بحسب التحقيقات- “على ما يبدو فإننا لم نكن على دراية لتطور البناء والتغييرات في البلدات العربية خلال السنوات الـ20 الماضية بسبب تواجدنا كل هذه السنوات في السجن”.
نفيعات: نجحنا بالهرب أكثر من مرة
وبالمقارنة مع قادري والعارضة اللذين واصلا السير باتجاه شمالي البلاد، توجه أسيران آخران جنوبا إلى منطقة جنين، أحدهم مناضل نفيعات الذي كان برفقة أيهم كممجي.
وبحسب تسريبات التحقيق الإسرائيلية، فإن قوات الاحتلال رصدت تحركاتهما لكنهما نجحا في الهرب، وقال نفيعات “خلال سيرنا على الأقدام ليلا باتجاه جنين، رصدت دورية شرطة إسرائيلية تحركنا، حيث توقفت جانب الطريق وقام عناصر الدورية بإضاءة المصابيح اليدوية التي بحوزتهم صوبنا”.
عندها -يستطرد نفيعات- “شرعت مع كممجي بالهرب بشكل منفصل وباتجاهين مختلفين، حيث وصلت إلى فتحة بالجدار قرب جنين يستخدمها العمال والفلسطينيون للتنقل دون تصاريح، حيث جلست مع عشرات العمال عند الفتحة ومكثت قليلا ومن ثم دخلت جنين عبرها”.
وأثناء الهروب والمطاردة وأعمال التفتيش، تمكن الأسرى من الاستماع للتقارير والأخبار التي بثتها وسائل إعلام إسرائيلية.
وتابع “بعض المعلومات التي وردت كانت مضللة وبعيدة عن الواقع، ومنها لا يمت للواقع بأي صلة، ووسائل الإعلام ضخمت وبالغت ببعض التفاصيل”.
وأضاف نفيعات -في التحقيق- “عندما وصلنا إلى مخيم جنين، تنقلنا بين عدة مواقع للاختباء، حيث تمكنا من مشاهدة التلفاز، والعديد من المراسلين في وسائل إعلام إسرائيلية تحدثوا وأفادوا بتقارير بشأن خطط ننوي تنفيذها والقيام بها، وهي خطط لا وجود لها على الإطلاق ولم نتطلع لتنفيذها، على سبيل المثال أفادوا أننا نخطط للهروب والعبور باتجاه الأردن، وعمليا توجهنا للضفة الغربية للحصول على اعتقال حماية لدى السلطة الفلسطينية”
السجانون سخروا من حفر النفق
وتكشف شهادات الأسرى الستة وملف التحقيق -بحسب التلفزيون الإسرائيلي الرسمي- “حجم الإخفاقات والفشل لدى مصلحة السجون الإسرائيلية، الأمر الذي جعل من الهروب من سجن جلبوع ناجحا، وفق وصف تلك الشهادات.
وتنقل “كان” عن كممجي قوله -في ملف التحقيق بشأن الفترة التي سبقت عملية الهروب- “خلال يوليو/تموز الماضي -أي قبل تنفيذ عملية الهروب بشهرين- كانت عمليات تفتيش واسعة في الزنزانة التي نتواجد بها”.
وتابع كممجي “أحد السجانين لاحظ كسرا في القطعة الحديدية في أرضية مرحاض الزنزانة، وهذا عمليا كان فتحة الدخول للنفق، حيث كان محمود عارضة على قناعة بأن أمرنا قد كشف، حين قام السجان باستدعاء الضابط الذي رد بأن الكسر طبيعي وأنه يتواجد في كثير من الزنازين بالسجن”.
وورد في محاضر التحقيقات ما أفاد به الأسرى بمحاولة السجانين استفزاز الأسير محمود العارضة قائد عملية الهروب والذي كان قد نجح في حفر نفق خلال أسره عام 2014 في سجن شطة المجاور لسجن جلبوع.
ويصف محضر التحقيق ما ورد على لسان أحد الأسرى، حيث أشار إلى محاولة بعض السجانين الاستخفاف من تجربة الأسير محمود عارضة عام 2014، غير مدركين أنه في تلك الأيام بالذات كان “يحفر نفقا تحت أنوفهم”.
ووفقا لما جاء في ملف التحقيق فإن “السجانين كانوا ينفذون عمليات تفتيش بالزنازين في ساعات الليل، ولم يشكوا من أي شيء، بل على العكس، كانوا يسخرون من مخطط عملية الهروب محمود عارضة ويقولون له أين وصلت في حفر النفق؟”.